منذ أربع سنوات، وهو شاغل الناس ومالئ الدنيا في المغرب. إنه رئيس الحكومة المغربية الإسلامي عبد الإله بنكيران. اسمه وصورته يكادان يتكرران يوميا على صدر الصفحات الأولى لأغلب الصحف اليومية والأسبوعية المغربية. وفيديوهاته يتداولها رواد المواقع الاجتماعية في المغرب أكثر مما يتداولون كليبات أكثر الفنانين شهرة وذيوعا. حضوره الشهري في البرلمان يصنع الحدث السياسي في المغرب ويعيد الحياة، أو على الأقل يلفت الانتباه إلى مؤسسة ينبذها كثيرون من المشاهدين المغاربة. سجالاته وتعابيره ومفردات كلماته و »قفشاته » غالبا ما تتحول إلى « هاشتاغات » تغزو المواقع الاجتماعية. متحدث بارع، ومراوغ ذكي، يتكلم لغة مباشرة، تسمي الأشياء بمسمياتها، كما يتحدث بتعابير مرموزة تغلب عليها لغة الاستعارة والتلميح والتشبيه. وكلما خانته العبارة، أو لم تُسعفه الاستعارة، يلجأ إلى قاموس « كليلة ودمنة »، مشبها خصومه وأعداءه بالتماسيح والعفاريت. يفاجئ مخاطبيه في المواضيع التي لا يتوقعون أن يتحدث فيها، ويسكت عن الكلام في المواقف التي يَنتظر فيها الناس رأيه. يقول كل شيء، ولا يكشف عن أهم الأشياء التي يٌنتظر منه أن يكشف عنها، ويفاجئ مخاطبيه ببواح صراح في مواضيع لا يُتوقع منه أن يقترب منها. خصومه يرون فيه مجرد مهرج سياسي، يجيد استعمال لغة شعبوية، لاستمالة تعاطف الطبقات الأقل تعلما. ويؤاخذون عليه نزوله بالمعجم السياسي إلى مستوى متدنٍّ، أفقد السياسة معناها وعمقها، وأفرغ الخطاب السياسي من نبله وأفقده قيمته. أنصاره ينظرون إليه رجل دولة يمارس السياسة بحنكة، ويستعمل أدواتها بذكاء. عركته الحياة وعلَّمته التجارب، يستعمل لغة بسيطة، يفهمها العادي والبادي. ثمّة من يرى أنه أول من بث الروح في مؤسسة رئاسة الحكومة، وأخرج رئيس الحكومة من مكتبه داخل حرم القصر الملكي، حيث يوجد مقره في الرباط، إلى البرلمان والشارع وأحياء المدن والقرى البعيدة، فقد تعود المغاربة على وزراء أولين، لا ينطلقون ولا يبتسمون، وصورهم لا تظهر إلا في نشرة الثامنة مساء، على شاشة التلفزيون الرسمي. –
وثمة من يعتقد أنه، بأسلوبه وتصرفاته، أفقد مؤسسة مهمة، مثل رئاسة الحكومة، هيبتها وأسقط عنها سلطتها المعنوية، وحول رئيس الحكومة إلى ممثل يتقن فن المسرح الفردي (وان مان شو)، ينتظر المشاهدون ظهوره على شاشة التلفزيون، للتفكه والضحك والتسلية. يعتبره المراقبون « حيواناً سياسياً » بالمفهوم الفلسفي للكلمة، مناور ومراوغ وصاحب حس براغماتي عال. مستعد أن يقدم التنازلات، وأن ينحني للعاصفة حتى تمر، كما يمكنه أن يرفع التحدي ويزايد، لكن بحساب وحدود، هو وحده يعرفها ويحدد سقفها. زلات لسانه تسبقه، لكنه يعرف كيف يوظفها لصالحه. يستدرك أخطاءه، ومستعد دائما للاعتراف بها، والاعتذار عنها أمام الملأ، لا يضيره أن ينزل من منصة الخطابة، ليقبل رأس مواطن عادي، ويطلب منه أن يصفعه أمام الناس، إذا اعتقد أنه أخطأ في حقه. يصعب التمييز بين أعدائه وخصومه، حيث يتحول الأعداء إلى حلفاء وينقلب الحلفاء إلى أعداء وخصوم. في بداية الحراك الشعبي في المغرب عام 2011، شن هجوماً لاذعاً على اثنين من أقرب المساعدين للملك محمد السادس. وعندما عُين رئيسا للحكومة، أصبح يكيل لهما المديح بلا حساب. وصف رئيس حزب سياسي بأقذع الأوصاف، واتهمه بالفساد والفشل، وعاد ليتحالف معه، وينزهه عن كل فساد، ويشيد بكفاءته وخبرته. أما حلفاؤه بالأمس الذين كان يشهد لهم بالإخلاص والتضحية، فتحولوا في قاموسه إلى فاسدين وطغاة ومافيوزيين ولصوص وقطاع طرق. سياسي يستمد كل قوته من لسانه الذي يختزل، في الوقت نفسه، كل مكامن ضعفه. لكن، ما لا يمكن أن يُتهم فيه هو نقاء ونظافة يده التي لا تشبه خشونة قاموسه. ينطبق عليه وصف الكاتب والمفكر السعودي عبد الله القصيمي الذي وصف العرب بأنهم مجرد « ظاهرة صوتية ». فهل بنكيران مجرد نتاج لهذه الظاهرة؟ التاريخ هو الذي سيحكم عليه، كما حكم على من سبقوه إلى مركز الشخصية الثانية في سلم البروتوكول المغربي. ومن بين تلك الشخصيات اسم عبد الرحمن اليوسفي الذي ظل وفيا لصفته « أبو الهول المغربي ». فما بين حكمة عبد الله إبراهيم، أول رئيس حكومة مغربية بعد الاستقلال، وصمت عبد الرحمن اليوسفي، أول رئيس وزراء من المعارضة اليسارية، وجعجعة بنكيران، يكاد التاريخ لا يذكر أسماء نكراتٍ كثيرةٍ، تعاقبت على رئاسة حكومات المغرب، فلنترك للتاريخ أن يحكم على بنكيران، لأن حكمه هو الذي سيبقى.
وثمة من يعتقد أنه، بأسلوبه وتصرفاته، أفقد مؤسسة مهمة، مثل رئاسة الحكومة، هيبتها وأسقط عنها سلطتها المعنوية، وحول رئيس الحكومة إلى ممثل يتقن فن المسرح الفردي (وان مان شو)، ينتظر المشاهدون ظهوره على شاشة التلفزيون، للتفكه والضحك والتسلية. يعتبره المراقبون « حيواناً سياسياً » بالمفهوم الفلسفي للكلمة، مناور ومراوغ وصاحب حس براغماتي عال. مستعد أن يقدم التنازلات، وأن ينحني للعاصفة حتى تمر، كما يمكنه أن يرفع التحدي ويزايد، لكن بحساب وحدود، هو وحده يعرفها ويحدد سقفها. زلات لسانه تسبقه، لكنه يعرف كيف يوظفها لصالحه. يستدرك أخطاءه، ومستعد دائما للاعتراف بها، والاعتذار عنها أمام الملأ، لا يضيره أن ينزل من منصة الخطابة، ليقبل رأس مواطن عادي، ويطلب منه أن يصفعه أمام الناس، إذا اعتقد أنه أخطأ في حقه. يصعب التمييز بين أعدائه وخصومه، حيث يتحول الأعداء إلى حلفاء وينقلب الحلفاء إلى أعداء وخصوم. في بداية الحراك الشعبي في المغرب عام 2011، شن هجوماً لاذعاً على اثنين من أقرب المساعدين للملك محمد السادس. وعندما عُين رئيسا للحكومة، أصبح يكيل لهما المديح بلا حساب. وصف رئيس حزب سياسي بأقذع الأوصاف، واتهمه بالفساد والفشل، وعاد ليتحالف معه، وينزهه عن كل فساد، ويشيد بكفاءته وخبرته. أما حلفاؤه بالأمس الذين كان يشهد لهم بالإخلاص والتضحية، فتحولوا في قاموسه إلى فاسدين وطغاة ومافيوزيين ولصوص وقطاع طرق. سياسي يستمد كل قوته من لسانه الذي يختزل، في الوقت نفسه، كل مكامن ضعفه. لكن، ما لا يمكن أن يُتهم فيه هو نقاء ونظافة يده التي لا تشبه خشونة قاموسه. ينطبق عليه وصف الكاتب والمفكر السعودي عبد الله القصيمي الذي وصف العرب بأنهم مجرد « ظاهرة صوتية ». فهل بنكيران مجرد نتاج لهذه الظاهرة؟ التاريخ هو الذي سيحكم عليه، كما حكم على من سبقوه إلى مركز الشخصية الثانية في سلم البروتوكول المغربي. ومن بين تلك الشخصيات اسم عبد الرحمن اليوسفي الذي ظل وفيا لصفته « أبو الهول المغربي ». فما بين حكمة عبد الله إبراهيم، أول رئيس حكومة مغربية بعد الاستقلال، وصمت عبد الرحمن اليوسفي، أول رئيس وزراء من المعارضة اليسارية، وجعجعة بنكيران، يكاد التاريخ لا يذكر أسماء نكراتٍ كثيرةٍ، تعاقبت على رئاسة حكومات المغرب، فلنترك للتاريخ أن يحكم على بنكيران، لأن حكمه هو الذي سيبقى.
إرسال تعليق