أورديــس :شعرمصطفى ملح
حَمَلْنَ جَمالَهُنَّ وسِرْنَ في طُرُقِ المَدينَةِ،
رُبَّما يَنْشُرْنَ عِطْراً بينَ أَحْزانِ الرِّجالِ.
وكُنْتُ أَنْتَظِرُ المَغيبَ لأَلْتَقي بِشُعورِهِنَّ،
تَسيلُ في الكورْنيشِ مِثْلَ الفِضَّةِ الحَمْراءِ.
والبَحْرُ المُضاءُ بِشَمْعَةِ الشَّفَقِ الأَخيرَةِ،
حينَ أَبْصَرَهُنَّ يَرْمينَ العَبيرَ عَلَيْهِ،
أَلْقى مَوْجَتَيْنِ لَهُنَّ قُرْبانا..
وكانَتْ بَيْنَهُنَّ مَليحَةٌ بَيْضاءُ،
تَمْشي خُطْوَتَيْنِ وتَسْتَريحُ على الرِّمالِ،
كَأَنَّها جَسَدٌ مِنَ الأَبْنوسِ،
لامْرَأَةٍ مِنَ الإِغْريقِ،
تَرْقُصُ في مَرايا مَتْحَفٍ عارٍ،
وكانَ حَريرُها يَهَبُ العُطورَ،
وكُنْتُ أَمْدَحُها ولمْ تَكُ يَوَمَها تَدْري:
أَصُبُّ لأَجْلِها نَهْراً،
لِتَغْتَسِلَ الضَّفائِرُ في المُوَيْجاتِ النَّقِيَّةِ..
أُجْلِسُ البَجَعَ المُسالِمَ في يَدَيْها،
كَيْ تَرى مُقْلَتاهُ مَحَبَّتي،
وأَحوكُ من صَمْتِ المَساءِ عَباءَةً،
لِحَنينِها المَسْكوبِ فَوْقَ الرَّمْلِ..
أَفْعَلُ كُلَّ شَيْءٍ، كُلَّ شَيْءٍ:
أَطْرُدُ الرُّهْبانَ من ديري،
وأَزْرَعُ في جِدارِ المَعْبَدِ الحِنّاءَ،
ثُمَّ أُقاتِلُ المُتَرَبِّصينَ بِتاجِ إِسْبارْطا،
ولَسْتُ أُسامِحُ الشَّمْسَ التي
سَرَقَتْ ضِياءً منكِ،
لَسْتُ أُسامِحُ الغاباتِ في لَيْلِ المِثُولوجْيا،
إِذا غَطَّتْ خَمائِلَها بِشَعْرِكِ،
أَنْتِ إِغْريقِيَّةٌ،
وأَنا الصَّدى المَنْثورُ خَلْفَكِ،
والصُّراخُ العاشِقُ الكَوْنِيُّ في عَيْنَيْكِ،
أَمّا أَنْتِ فَامْرَأَةٌ مُحايِدَةٌ،
تَرَكْتُ يَدي تَرُشُّ الفَجْرَ في شَهَواتِها:
كَمْ كُنْتُ أَمْدَحُها،
ولَمْ تَكُ يَوْمَها تَدْري!
أُسَمّيها حَضارَةَ شَهْوَتَيْنِ جَريحَتَيْنِ،
أُصيبَتا بينَ الحَشايا بِانْقِلابٍ عاطِفِيٍّ،
ثُمَّ أَشْرَحُها بِما يَأْتي:
غُزاةٌ يَرْكَبونَ البَحْرَ،
في سُفُنٍ تَسيرُ بِها الرِّياحُ،
وأَنْتِ مُمْسِكَةٌ رٍداءَ الوَقْتِ،
حَتّى تَعْبُرَ السُّفُنُ المُحيطَ،
وأَنْتِ تَتْبَعُكِ الدَّلافينُ الكَثيرَةُ،
والمُوَيْجاتُ الأَميرَةُ،
أَنْتِ لَسْتِ وَحيدَةً في البَحْرِ،
بَلْ مَتْبوعَةٌ بِرِسالَةٍ بَيْضاءَ يونانِيَّةٍ،
كُتِبَتْ على وَرَقٍ قَديمٍ،
بَلْ على جَسَدي..
هي الأُنْثى التي صارَتْ ضَفائِرُها نَخيلا،
ثُمَّ صارَ مُوَشَّحاً فَمُها،
وصارَ سُكوتُها العاري مَواويلا..
أُسَمّيها كَذَلِكَ صَرْخَةَ الجَرَسِ البَعيدِ،
وظَبْيَةً سَمْراءَ،
تَبْني في الهِضابِ سَماءَ عُزْلَتِها..
أُسَمّيها الصَّديقَةَ،
والحَريقَةَ،
والدَّمَ المَسْكوبَ في ثَدْيِ القَصيدَةِ،
ثُمَّ أَمْدَحُها كَثيراً،
كُنْتُ أَمْدَحُها،
ولَمْ تَكُ يَوْمَها تَدْري!
وكُنْتُ إِذا رَأَيْتُ مَدائِناً في مُقْلَتَيْها،
هَزَّني شَجَنٌ وقُلْتُ:
سَأَتْرُكُ الذَّهَبَ الوَضِيءَ لأَهْلِهِ،
وسَبيكَةَ الياقوتِ أَتْرُكُها،
وأَتْرُكُ شَعْرَها يَرْعى وَحيداً في الهَواءِ،
كَأَنَّهُ قَلْبٌ أَميرٌ يَسْتَعيدُ عُروشَهُ،
حَتّى إِذا رَحَلَتْ،
عَلِمْتُ بِأَنَّني وَدَّعْتُ أُورْديسْ!
19/01/
إرسال تعليق