الشعر لا يجلس على نفس الطاولة مع الديكتاتورية
أرفض تكريما من درجة رشوة محمد بلمو
كما تم تداوله مؤخرا، فقد وافقت على دعوة
لتكريمي من طرف جمعية لا أعرف عنها ألا أنها تنظم مهرجانا للشعر والزجل بالدار
البيضاء، ولا أعرف عن رئيسها سوى أنه يهتم بالشعر ويغامر من أجل تنظيم مهرجان دولي
حوله كل سنة بمدينة عملاقة يسود فيها الضجيج أكثر... عندما اقترح علي تكريمي ترددت
كثيرا، ربما كنت أتوهم أنني ما زلت شابا في بداية الكتابة والحياة، رغم أنني تجاوزتُ
الخمسين.
طلب مني في البداية ان أكتب تقديما للديوان الجماعي الذي ينشر ضمن كل دورة من المهرجان
، بعدما زودني بنسخة منه، ففعلت، ثم سألته عن حفل التكريم زمانه ومكانه ومجرياته،
فأرسل لي بلاغا صحفيا عاما، يتضمن معطيات عن فقرات المهرجان ولكن دون برمجة مدققة،
وعندما زودته بأسماء الاساتذة الذين سيقدمون شهاداتهم في حقي، طلبت منه أن يبرمج
التكريم يوم السبت لأن أغلبنا لا يقيم بالدار البيضاء، كما طلبت منه تحديد توقيت
ومكان التكريم لتعميم بلاغ صحفي عنه، فوافق مشكورا، وحدد مكان وزمان الحفل، الذي
أعجبني لأنه مكان ينتمي للهامش وسط المركز، "مركز حماية الطفولة عبد السلام
بناني للفتيات"... وإلى حدود مساء
أمس، كانت الأمور عادية، لكن اعتذار الأصدقاء الثلاثة عن الحضور لأسباب طارئة مع
إرسال شهادة إثنين منهم، دفعني إلى إخباره في رسالة نصية ليلة أمس، معبرا عن أسفي
لحصول ذلك، بعد ذلك اتصل بي هاتفيا، وأخبرني أنه سيسهر الليل ليكتب بورتريها رائعا
حول شخصي المتواضع، فقلت له أن لا يشغل باله بذلك، وأنه يكفي ارتجال كلمة قصيرة من
المنظمين مع قراءة الشهادتين. ما صدمني كثيرا في حديثه، أنه انفجر يشتكي من محيطه
مؤكدا أنه يشتغل وحده بشكل ديكتاتوري لأنه لا يثق في المغاربة، وذكر لي إسمي مبدعين كان قد اتفق معهما حسب
قوله على اختيار النصوص الشعرية الفائزة، لكنهما اقفلا هاتفايهما في وجهه فجأة،
ليصدمني مرة ثانية عندما قال لي بناء على سلوكهما أن المغاربة أصلهم صهاينة؟؟
إلى هنا، لم يعد بإمكاني أن استمر في هذه
الحكاية/الصدمة.. فقد فكرت مليا باندهاش في ما قاله لي خلال تلك المكالمة،
واستغربت كيف يجمع شخص واحد بين الدكتاتورية والشعر في مهرجان واحد؟ وهل يمكن في
هذا الزمن أن يجتمع الشعر والدكتاتورية تحت سقف واحد، كما لو كانا صديقين حميمين؟
ثم وحتى لو كان العديد من الناس قد اخطئوا في حقه وحق مهرجانه وهم قلة على كل حال،
فهل ذلك يبرر اصدار تهم خطيرة في حقهم وتعميمها على كل المغاربة وسردها على مسامعي
بكل اطمئنان، كما لو كنت متواطئا معه في ما يقوله، أو كأنما تكريمي مجرد رشوة للتواطؤ معه؟
آخر ممارسة استهجانية بالمواعيد والالتزامات،
كون منظم المهرجان الديكتاتور الوحيد الأوحد لم يجري أي اتصال بي طيلة اليوم،
المفروض أن أكرم فيه في الرابعة والنصف بعد الزوال، إلا في الساعة السادسة إلا ربع
مساء، حيث تذكر ان هناك شخص تمت برمجت تكريمه قبل ساعتين؟
فهل صادفتم مهرجانا ثقافيا محترما لا يسأل
عن أحد مدعويه وليس مكرميه، إلا بعد مرور ساعتين عن موعد مشاركته؟
هذه قمة الاستهتار التي تستشري في الكثير
من مهرجاناتنا وأنشطتنا الثقافية العشوائية التي ينبغي اليوم قبل الغد الوقوف في
وجهها كممارسات سلبية تسيء إلى حركتنا الثقافية وتعيق تطورها الضروري نحو الدقة
والجدية والاحترافية المنتجة.
أبدا، يستحيل أن يلتقي الشعر مع
الدكتاتورية على نفس الطاولة وتحت سماء مهرجان شعري في القرن الواحد والعشرين،
ويستحيل أن أقبل بتكريمي من طرف منظم مهرجان يتهم مبدعين محترمين بأن أصلهم صهيوني
ويعمم تلك التهمة الظالمة على المغاربة أجمعين؟
لذلك، أعتذر لأصدقائي المبدعين والصحفيين
الذين تمت دعوتهم، كما اعتذر لعشاق الشعر البيضاويين بسبب امتناعي عن الحظور ورفض
تكريم من درجة رشوة، لا يمكنني أن أقبله مهما كانت الظروف.
السبت 30 ماي 2015
محمد بلمو
شاعر
إرسال تعليق