للثقافة أخبار

شعرـ قصص

إعلانات - إعلانات

جديد دورالنشر

الاثنين، 30 مارس 2015

الثورات والتحرر من اللامعقول : نوال السعداوي

الثورات والتحرر من اللامعقول : نوال السعداوي  
من إيجابيات الثورات أنها لا تسقط النظام المستقر فقط، بل تسقط فكرة الاستقرار ذاتها، التى تتمسك بها الأنظمة المستبدة.
تواكب الثورات السياسية ثورات فكرية، تنتج عنها تغييرات جذرية للعقل وتطور جديد لرؤية العالم.
من فوائد الأزمات أنها تقود للثورات، التى تغير النظريات الثابتة فى العلوم الطبيعية والاجتماعية، منها الطب والبيولوجيا والكيمياء والفيزياء والفلسفة والاقتصاد والأديان والأخلاق، قانون الحياة هو التغير، لا توجد حتمية بيولوجية أو عقائدية، يتطور المخ البشرى مع الثورات المتكررة وتغير النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعائلية.
نحن نغير حياتنا عندما نغير عقولنا، وعندما نغير عقولنا نقوم بثورات تغير النظام الذى يحكمنا، والذى يسهم بدوره فى تغيير عقولنا، هكذا يستمر التطور العقلى للانسان عبر ملايين السنين تطور المخ البشرى وأصبح له ثلاثة أجزاء:
الجزء القديم الموروث من مخ الزواحف (الجذع المخى) وظيفته الحفاظ على البقاء، مركز الأكل والشرب والتكاثر والدفاع عن النفس.
الجزء الثانى (الطرفى) يشترك فيه مخ الانسان مع مخ الثدييات، مركز الذاكرة والتعلم والتقليد والقيام بالعمليات الآلية للحياة اليومية.
الجزء الثالث، المخ الترابطى (الفص الجدارى) أو القشرة الحديثة تكونت ببطء شديد، وأصبحت قادرة على التخيل والربط بين الأشياء غير المترابطة، والإبداع وحرية التفكير والصدق والعدالة والمسئولية الأخلاقية، انه العقل الحديث، يواجه به الإنسان المفاجآت والأزمات، ويتغلب عليها بالمنطق والبرهان والخطط: التصدى للعدو الخارجى أو تنظيم الثورات لإسقاط النظام، وبناء نظام جديد أكثر عدلا وحرية.
الأجزاء الثلاثة للمخ تتداخل وتترابط وتتيح لنا الجمع بين قوة التعقل والتوازن وجموح الخيال والثورة والإبداع، هذه القدرة العقلية تربط بين 14 ألف مليون خلية عصبية، وهى عبقرية الانسان الذى أبدع الاختراعات العلمية والثورات الاجتماعية، التى حطمت الثوابت والحتميات البيولوجية والعقائدية، وصنعت ثوابت وحتميات جديدة، تتحطم بدورها مع الابداع والثورة وتجديد العقل الانسانى، فهل يعجز هذا العقل العبقرى عن تحرير العالم من الحروب المشتعلة فى كل مكان حتى اليوم؟ وهل يعجز عن القضاء على الفقر أو القهر الاقتصادى الذى يطحن الأغلبية الساحقة من الشعوب؟ وهل يعجز عن إنهاء القهر الجنسى للنساء والأطفال؟
وهل تعجز عقولنا بعد ثوراتنا المتعاقبة عن تمهيد الطريق لتحقيق الأهداف الثورية؟ أو على لأقل، إصدار دستور جديد يحقق المساواة بين المواطنين دون تفرقة بسبب الدين أو الجنس أو الطبقة؟.
ليست المشكلة عجز العقل البشرى، بل النظم الحاكمة الظالمة بقوة الأموال والإعلام والدين والسلاح، واستخدام اللعب السياسية والكلمات المراوغة لإخفاء الظلم والتفرقة، مثلا كلمة "الهوية" ماذا تعنى؟ وكيف تشعل الهوية النيران لحرق العدالة فى الدستور؟ وهل هوية الدولة تختلف عن هوية الوطن والمجتمع والشعب؟ هل هوية المرأة تختلف عن هوية الرجل؟ هل هوية الإنسان المصرى تختلف حسب موروثه من المذاهب أو الأديان أو الايديولوجيات؟ أليست الهوية الإنسانية حقا للجميع بالتساوى والعدل؟ أم أنها هوية الحزب الإسلامى السلفى المسيطر بأفكاره اللامعقولة؟ هل توقفت عقولنا عن التطور حتى يسيطر علينا اللامعقول؟ كيف لأستاذ جامعى أن يعلق بعنقه خرزة زرقاء تقيه الحسد؟ كيف لأستاذة جامعية بالنانو تكنولوجى أن تغطى رأسها لأنه عورة؟ كيف لزعيم اشتراكى الجمع بين أربع زوجات فى فراش واحد ويعاملهن بالعدل؟
كيف لمثقف أن يفسخ بإرادته المنفردة عقدا وقعه هو وزوجته معا؟
كيف يعيش 1% من المصريين فى القصور و95% فى القبور؟
كيف تعجز الدولة عن عقاب واحد ممن قتلوا الثوار؟ أو واحد ممن زرعوا الفساد؟ أو استرداد شيء من الأموال المنهوبة المهربة؟
تندرج النظم الظالمة تحت الانحرافات التطورية، فتنمو قلة على حساب الأغلبية، أو ينمو عضو بالجسد على حساب الأعضاء الأخرى، مما يوقف التطور لبعض الكائنات الحية، فى نوع من الإبل، تضخم "قرن الذكر" مما عرقل سيره فتخلف عن الركب ومات، وأدى تضخم فقرات الذيول لانقراض بعض الفيلة أو الديناصورات فهل ينقرض نوع بشرى فى القرن العشرين بسبب التحيز ضد الجنس الآخر أو ضد الطبقات والمذاهب الأخرى؟

إرسال تعليق

 
لا يتحمل الموقع تحت أي ظرف مسؤولية المساهمات التي تتضمن خرقا لحقوق الملكية الأدبية أو حقوق النشر، و يحق لكل متضرر رفع الضرر عن طريق مراسلة مدير الموقع
copyright © 2013 الزمن المغربي
مجلة الزمان المغربي مستقلة تجدد كل يوم