الأجانب الذين يزورون المغرب
جميعهم يرددون أن المغرب رائع والأكل شهي، لكنهم لا يفهمون لماذا يحك المغاربة
أنوفهم عندما يتحدثون مع بعضهم البعض. نحن هكذا، أقول لهم، نحك أنوفنا في الشارع
ونحن واقفون في الصف أمام شبابيك البنوك، ولا أحد يفهمنا على الإطلاق. حتى
السياسيون الذين يكذبون أكثر مما يتنفسون والذين يدعون أننا صوتنا لصالحهم لم
يعودوا يفهمون شيئا.
إننا شعب معقد، عندما نسكر نبكي وعندما نعرس نتشاجر وعندما نحزن ننفجر من الضحك بحجة أن الهم إذا كثر يدفع إلى الضحك. هناك من يعتقد أننا شعب مجنون، لكن ما العيب؟ حتى في الحكومة لدينا مجانين. وإلا كيف يمكن أن نفسر جلوس اليميني الانتهازي إلى جانب اليساري إلى الطاولة نفسها؟
الفنانون العالميون المشاهير عندما يأتون للغناء فوق منصات المغرب وأمام الجمهور المغربي يندهشون من شدة وسرعة انفعال هذا الجمهور مع أغانيهم.
المغني العراقي كاظم الساهر الذي «سقط» في حب المغرب قبل سنوات قال لجمهور موازين الذي بدأ يردد معه أغنيته الجديدة إنهم يحفظون كلمات أغنيته قبل أن يتمكن هو من حفظها.
المغني الأمريكي «نيو» قال إنه لم يكن يتوقع أن لديه جمهورا في المغرب بهذا الحجم.
المدهش في المغاربة أنهم يستطيعون الغناء وراء ذلك الهيكل العظمي الراقص الذي يلبس بذلة تلميذ نبيه المسمى «ستروماي»، وفي الأمسية نفسها يستطيعون ترديد قصائد كاظم الساهر، أو كاظم السهران، كما كانت تناديه إحدى جاراتنا.
نحن شعب غريب الأطوار والأذواق، عندما يأتي المنشد ماهر زين نغني معه بخشوع، وعندما يصعد الشاب بلال إلى المنصة هناك من يغني معه باللكنة الجزائرية وهناك من ينشغل عن الغناء بتخطيط ذراعيه بشفرات الحلاقة، وعندما يصعد «جيستن تمبرلاك» يشرع الجميع في ترديد كلمات أغنياته الإنجليزية، وعندما يصعد المغني البورتوريكي «ريكي مارتن»، الذي لا يحبه بوليف، يغنون معه بالإسبانية، وعندما يصعد مغن خليجي يغنون معه بالخليجية ويتمايلون كأنما تربوا على رقصة الدبكة.
وهذا بالضبط ما لا يفهمه الآخرون في المغرب والمغاربة. فكل المتناقضات مجتمعة ومتعايشة فينا، إذا ذهبت إلى المستشفيات وجدتها ممتلئة ويخيل إليك أن جميع المغاربة مرضى، وإذا ذهبت إلى السجن لن تجد شبرا تنام فيه من شدة الزحام، وإذا ذهبت إلى الأسواق الممتازة تعتقد أن المجاعة ستحل غدا وأن الناس يتسابقون على شراء أي شيء تقع عليه أعينهم، وإذا ذهبت إلى المطاعم الفاخرة وجدت كل الموائد محجوزة سلفا، وإذا ذهبت إلى أحياء الصفيح تتصور أن المغاربة كلهم فقراء، وإذا ذهبت إلى المقابر يخيل إليك أن القوم ماتوا عن آخرهم، فحتى في المقابر يتزاحمون ويتسابقون على الأماكن.
عندما تحل ذكرى أعياد المسيحية تجد صفوفا طويلة أمام محلات بيع الحلوى والهدايا، وعندما تحل ذكرى المولد النبوي يتزاحم الناس في الأسواق لشراء التمر والزبيب واللوز والجوز فيما يذهب الآخرون إلى الزوايا والمساجد لإحياء الذكرى، وعندما تحل ليلة عاشوراء ذكرى مقتل الحسين ويشرع الشيعة في سلخ ظهورهم بالسلاسل التي تنتهي بشفرات حادة نخرج نحن إلى الشوارع لكي نرش بعضنا البعض بالماء ونوزع التين المجفف في المقابر ونضرم الحرائق في الساحات وتحرق النساء البخور في المجامر دفعا للعين والحسد أو جلبا للعرسان والمال.
عندنا تسير الحمير والبغال في شوارع المدن جنب السيارات الفارهة، وتشيد القصور والفيلات جنب بيوت الصفيح والقش. تجلس المحجبة على الطريقة الشيعية والسنية والطالبانية جنب البنات شبه العاريات في المقاهي، وتتقاسم بائعات الهوى غرف الكراء مع طالبات الجامعة المتعلمات ويحلمن باليوم الذي سيعفو فيه الله عليهن جميعا، بائعات الهوى من بيع لحمهن والطالبات من بيع الأوهام لأنفسهن حول المستقبل.
نحن شعب يحب الشراب كثيرا، أكثر من شعوب عربية وإسلامية كثيرة، ومع ذلك لن تستطيع أن تجد حيا بدون مسجد ومصلين، وطبعا داخل كل مسجد يمكن أن تقرأ تحذيرات في كل مكان تذكرك بضرورة وضع حذائك أمامك، إذا كنت لا تريد أن تعود إلى بيتك حافي القدمين.
وفي رمضان عندما تغلق البارات والخمارات والكباريهات أبوابها يتحول السكارى إلى مؤمنين ورعين ويتسابقون على الصفوف الأمامية للصلاة خلف القزابري والكوشي والكرعاني، تراهم خاشعين، سكارى وما هم، بانتظار أن يخرج رمضان لكي يعود أغلبهم إلى كراسيهم وكؤوسهم المعهودة.
من يجرؤ إذن على الادعاء أنه يفهم ما يدور في رؤوس المغاربة؟
تقول النكتة إن أحدهم صادف إبليس لعنه الله في باب سبتة يهم بمغادرة المغرب وعلامات الغضب بادية على وجهه المنحوس، فبادره بالسؤال عن سبب قراره مغادرة البلاد بلا رجعة فقال له إنه لم يلمس اعترافا بالجميل لدى هذا الشعب، فسأله كيف ذلك، فقال إنه ساعد مئات الآلاف لكي يغشوا في الميزان ويسرقوا أموال اليتامى والمساكين ويقبضوا الرشاوي ويختلسوا الميزانيات، وعندما أصبحوا مليارديرات واشتروا القصور والسيارات الفارهة علقوا عليها لوحة مكتوب عليها «هذا من فضل ربي»، فهل هؤلاء قوم يبقى الواحد معهم؟
يعتقد كثيرون أن الفيلسوف الوجودي الفرنسي «جون بول سارتر» هو أول من اخترع مقولة «الجحيم هو الآخر»، والحال أن المغاربة سبقوه إلى هذا الاختراع الفلسفي منذ قرون.
فنحن تعودنا أن نرد كل مشاكلنا وكوارثنا وتعاستنا إلى الآخرين، مقتنعين بأن مصدر كل الشرور هو الآخر وليس نحن. ولربما كان أصل مشاكلنا، نحن المغاربة، أننا لا نقبل الاعتراف بالمسؤولية عند الخطأ. فنحن أحسن من يطبق وصية الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش الذي كتب «لا تعتذر عما فعلت».
ونحن المغاربة عموما، لدينا ميل فطري نحو التملص من تحمل المسؤولية، فالآخرون دائما هم السبب، أما نحن فمجرد ضحايا أبرياء، أو هدايا من السماء لهذا الشعب، كما قال بنكيران عن حزبه المختار.
ومن يتأمل خطابنا اللغوي اليومي، خصوصا في ما يتعلق بتبرير المواقف المحرجة، يستخلص أننا أفضل من يطبق مقولة سارتر «الجحيم هو الآخر».
عندما يأتي الواحد منا إلى المطار متأخرا عن موعد إقلاع الطائرة ويضيع عليه موعد السفر يقول «الطيارة مشات عليا»، وعندما يأتي متأخرا عن موعد القطار يقول «التران هرب عليا»، وعندما يتحكك بأحد الأسلاك ويمزق له سرواله يقول «شدني السلك»، وعندما يصدم رأسه مع حائط يقول «ضربني الحيط».
وطبعا، يستحيل أبدا أن يعترف هذا المواطن «الضحية» بأنه وصل إلى المطار أو محطة القطار متأخرا، أو أنه لم ينتبه جيدا إلى أين يسير، أو أنه لم يحسب المسافة جيدا بينه وبين الحائط.
إن اللغة ليست سوى وعاء تختفي داخله ثقافتنا وسلوكنا الاجتماعي الذي يعتبر أن كل ما يحدث لنا من كوارث مرتبط بالآخرين، وأننا لسنا مسؤولين عن أخطائنا مادام هناك مشجب جاهز نعلق عليه هذه الأخطاء.
وفي اعتقاد المغربي فالدولة هي دائما سبب المشكل. إذا سقطت عمارة بسبب مهندس غشاش ومنعش عقاري جشع فبسبب الدولة، وإذا هجم الناموس على الناس في بيوتهم خلال الصيف فبسبب الدولة، وكأن تلك المجالس البلدية والجماعات القروية التي ذهب المواطنون إلى صناديق الاقتراع وصوتوا على أعضائها بأنفسهم لا تتحمل نصيبها من المسؤولية.
نعم الدولة تتحمل مسؤولية ما يحدث، لكن الشعب بدوره يتحمل مسؤولية ما يحدث له. يتحمل المسؤولية بصمته عن الجرائم التي تحدث باسمه، ويتحمل المسؤولية بتواطئه مع اللصوص الذين يسرقون جيوبه، ويتحمل المسؤولية بجبنه وخوفه من الجهر بما يضره.
إذا كان هناك لصوص في البرلمان فلأن الشعب أوصلهم إلى هناك، وإذا كان هناك زعماء أبديون جشعون على رأس النقابات فلأن العمال اختاروا حملهم فوق أكتافهم إلى الأبد، وإذا كان هناك ممثلون لصوص في المجالس البلدية يدافعون عن مصالحهم أكثر مما يدافعون عن مصالح المقاطعات التي يمثلونها فلأن المواطنين راضون بذلك وسعداء، ويكفيهم أن ممثلهم في المجلس البلدي ينظر إليهم ذات يوم وهو مار في سيارته ويتذكرهم ويلقي عليهم السلام.
نحن من نصنع جلادينا ولصوصنا وطغاتنا، وبعد ذلك نبحث لكي نلصق بهم جميع مشاكلنا وكوارثنا، مع أن الكارثة الحقيقية نحن من صنعها بأيدينا
إننا شعب معقد، عندما نسكر نبكي وعندما نعرس نتشاجر وعندما نحزن ننفجر من الضحك بحجة أن الهم إذا كثر يدفع إلى الضحك. هناك من يعتقد أننا شعب مجنون، لكن ما العيب؟ حتى في الحكومة لدينا مجانين. وإلا كيف يمكن أن نفسر جلوس اليميني الانتهازي إلى جانب اليساري إلى الطاولة نفسها؟
الفنانون العالميون المشاهير عندما يأتون للغناء فوق منصات المغرب وأمام الجمهور المغربي يندهشون من شدة وسرعة انفعال هذا الجمهور مع أغانيهم.
المغني العراقي كاظم الساهر الذي «سقط» في حب المغرب قبل سنوات قال لجمهور موازين الذي بدأ يردد معه أغنيته الجديدة إنهم يحفظون كلمات أغنيته قبل أن يتمكن هو من حفظها.
المغني الأمريكي «نيو» قال إنه لم يكن يتوقع أن لديه جمهورا في المغرب بهذا الحجم.
المدهش في المغاربة أنهم يستطيعون الغناء وراء ذلك الهيكل العظمي الراقص الذي يلبس بذلة تلميذ نبيه المسمى «ستروماي»، وفي الأمسية نفسها يستطيعون ترديد قصائد كاظم الساهر، أو كاظم السهران، كما كانت تناديه إحدى جاراتنا.
نحن شعب غريب الأطوار والأذواق، عندما يأتي المنشد ماهر زين نغني معه بخشوع، وعندما يصعد الشاب بلال إلى المنصة هناك من يغني معه باللكنة الجزائرية وهناك من ينشغل عن الغناء بتخطيط ذراعيه بشفرات الحلاقة، وعندما يصعد «جيستن تمبرلاك» يشرع الجميع في ترديد كلمات أغنياته الإنجليزية، وعندما يصعد المغني البورتوريكي «ريكي مارتن»، الذي لا يحبه بوليف، يغنون معه بالإسبانية، وعندما يصعد مغن خليجي يغنون معه بالخليجية ويتمايلون كأنما تربوا على رقصة الدبكة.
وهذا بالضبط ما لا يفهمه الآخرون في المغرب والمغاربة. فكل المتناقضات مجتمعة ومتعايشة فينا، إذا ذهبت إلى المستشفيات وجدتها ممتلئة ويخيل إليك أن جميع المغاربة مرضى، وإذا ذهبت إلى السجن لن تجد شبرا تنام فيه من شدة الزحام، وإذا ذهبت إلى الأسواق الممتازة تعتقد أن المجاعة ستحل غدا وأن الناس يتسابقون على شراء أي شيء تقع عليه أعينهم، وإذا ذهبت إلى المطاعم الفاخرة وجدت كل الموائد محجوزة سلفا، وإذا ذهبت إلى أحياء الصفيح تتصور أن المغاربة كلهم فقراء، وإذا ذهبت إلى المقابر يخيل إليك أن القوم ماتوا عن آخرهم، فحتى في المقابر يتزاحمون ويتسابقون على الأماكن.
عندما تحل ذكرى أعياد المسيحية تجد صفوفا طويلة أمام محلات بيع الحلوى والهدايا، وعندما تحل ذكرى المولد النبوي يتزاحم الناس في الأسواق لشراء التمر والزبيب واللوز والجوز فيما يذهب الآخرون إلى الزوايا والمساجد لإحياء الذكرى، وعندما تحل ليلة عاشوراء ذكرى مقتل الحسين ويشرع الشيعة في سلخ ظهورهم بالسلاسل التي تنتهي بشفرات حادة نخرج نحن إلى الشوارع لكي نرش بعضنا البعض بالماء ونوزع التين المجفف في المقابر ونضرم الحرائق في الساحات وتحرق النساء البخور في المجامر دفعا للعين والحسد أو جلبا للعرسان والمال.
عندنا تسير الحمير والبغال في شوارع المدن جنب السيارات الفارهة، وتشيد القصور والفيلات جنب بيوت الصفيح والقش. تجلس المحجبة على الطريقة الشيعية والسنية والطالبانية جنب البنات شبه العاريات في المقاهي، وتتقاسم بائعات الهوى غرف الكراء مع طالبات الجامعة المتعلمات ويحلمن باليوم الذي سيعفو فيه الله عليهن جميعا، بائعات الهوى من بيع لحمهن والطالبات من بيع الأوهام لأنفسهن حول المستقبل.
نحن شعب يحب الشراب كثيرا، أكثر من شعوب عربية وإسلامية كثيرة، ومع ذلك لن تستطيع أن تجد حيا بدون مسجد ومصلين، وطبعا داخل كل مسجد يمكن أن تقرأ تحذيرات في كل مكان تذكرك بضرورة وضع حذائك أمامك، إذا كنت لا تريد أن تعود إلى بيتك حافي القدمين.
وفي رمضان عندما تغلق البارات والخمارات والكباريهات أبوابها يتحول السكارى إلى مؤمنين ورعين ويتسابقون على الصفوف الأمامية للصلاة خلف القزابري والكوشي والكرعاني، تراهم خاشعين، سكارى وما هم، بانتظار أن يخرج رمضان لكي يعود أغلبهم إلى كراسيهم وكؤوسهم المعهودة.
من يجرؤ إذن على الادعاء أنه يفهم ما يدور في رؤوس المغاربة؟
تقول النكتة إن أحدهم صادف إبليس لعنه الله في باب سبتة يهم بمغادرة المغرب وعلامات الغضب بادية على وجهه المنحوس، فبادره بالسؤال عن سبب قراره مغادرة البلاد بلا رجعة فقال له إنه لم يلمس اعترافا بالجميل لدى هذا الشعب، فسأله كيف ذلك، فقال إنه ساعد مئات الآلاف لكي يغشوا في الميزان ويسرقوا أموال اليتامى والمساكين ويقبضوا الرشاوي ويختلسوا الميزانيات، وعندما أصبحوا مليارديرات واشتروا القصور والسيارات الفارهة علقوا عليها لوحة مكتوب عليها «هذا من فضل ربي»، فهل هؤلاء قوم يبقى الواحد معهم؟
يعتقد كثيرون أن الفيلسوف الوجودي الفرنسي «جون بول سارتر» هو أول من اخترع مقولة «الجحيم هو الآخر»، والحال أن المغاربة سبقوه إلى هذا الاختراع الفلسفي منذ قرون.
فنحن تعودنا أن نرد كل مشاكلنا وكوارثنا وتعاستنا إلى الآخرين، مقتنعين بأن مصدر كل الشرور هو الآخر وليس نحن. ولربما كان أصل مشاكلنا، نحن المغاربة، أننا لا نقبل الاعتراف بالمسؤولية عند الخطأ. فنحن أحسن من يطبق وصية الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش الذي كتب «لا تعتذر عما فعلت».
ونحن المغاربة عموما، لدينا ميل فطري نحو التملص من تحمل المسؤولية، فالآخرون دائما هم السبب، أما نحن فمجرد ضحايا أبرياء، أو هدايا من السماء لهذا الشعب، كما قال بنكيران عن حزبه المختار.
ومن يتأمل خطابنا اللغوي اليومي، خصوصا في ما يتعلق بتبرير المواقف المحرجة، يستخلص أننا أفضل من يطبق مقولة سارتر «الجحيم هو الآخر».
عندما يأتي الواحد منا إلى المطار متأخرا عن موعد إقلاع الطائرة ويضيع عليه موعد السفر يقول «الطيارة مشات عليا»، وعندما يأتي متأخرا عن موعد القطار يقول «التران هرب عليا»، وعندما يتحكك بأحد الأسلاك ويمزق له سرواله يقول «شدني السلك»، وعندما يصدم رأسه مع حائط يقول «ضربني الحيط».
وطبعا، يستحيل أبدا أن يعترف هذا المواطن «الضحية» بأنه وصل إلى المطار أو محطة القطار متأخرا، أو أنه لم ينتبه جيدا إلى أين يسير، أو أنه لم يحسب المسافة جيدا بينه وبين الحائط.
إن اللغة ليست سوى وعاء تختفي داخله ثقافتنا وسلوكنا الاجتماعي الذي يعتبر أن كل ما يحدث لنا من كوارث مرتبط بالآخرين، وأننا لسنا مسؤولين عن أخطائنا مادام هناك مشجب جاهز نعلق عليه هذه الأخطاء.
وفي اعتقاد المغربي فالدولة هي دائما سبب المشكل. إذا سقطت عمارة بسبب مهندس غشاش ومنعش عقاري جشع فبسبب الدولة، وإذا هجم الناموس على الناس في بيوتهم خلال الصيف فبسبب الدولة، وكأن تلك المجالس البلدية والجماعات القروية التي ذهب المواطنون إلى صناديق الاقتراع وصوتوا على أعضائها بأنفسهم لا تتحمل نصيبها من المسؤولية.
نعم الدولة تتحمل مسؤولية ما يحدث، لكن الشعب بدوره يتحمل مسؤولية ما يحدث له. يتحمل المسؤولية بصمته عن الجرائم التي تحدث باسمه، ويتحمل المسؤولية بتواطئه مع اللصوص الذين يسرقون جيوبه، ويتحمل المسؤولية بجبنه وخوفه من الجهر بما يضره.
إذا كان هناك لصوص في البرلمان فلأن الشعب أوصلهم إلى هناك، وإذا كان هناك زعماء أبديون جشعون على رأس النقابات فلأن العمال اختاروا حملهم فوق أكتافهم إلى الأبد، وإذا كان هناك ممثلون لصوص في المجالس البلدية يدافعون عن مصالحهم أكثر مما يدافعون عن مصالح المقاطعات التي يمثلونها فلأن المواطنين راضون بذلك وسعداء، ويكفيهم أن ممثلهم في المجلس البلدي ينظر إليهم ذات يوم وهو مار في سيارته ويتذكرهم ويلقي عليهم السلام.
نحن من نصنع جلادينا ولصوصنا وطغاتنا، وبعد ذلك نبحث لكي نلصق بهم جميع مشاكلنا وكوارثنا، مع أن الكارثة الحقيقية نحن من صنعها بأيدينا
إرسال تعليق