مرّت ذكرى الربيع الأمازيغي، على نفس المطلب، وهو ترسيم الأمازيغية لغةً رسمية في الجزائر، وأصرّ المحتجون مرة أخرى على أن الدولة هي الوحيدة التي وجب عليها تحقيق هذا المطلب، وهي المذنبة في حق هذا الإرث التاريخي الذي عصفت به الفرانكوفونية أكثر من التعريب، قبل أن تجرفه الحمم البركانية من أهل المنطقة أنفسهم، الذين لم يقدموا للأمازيغية ما تستحقه لأجل أن تجد مكانا لها ضمن لغات المنطقة ولا نقول لغات العالم.
فلا يوجد ما يمنع الجزائريين، ومنهم أصحاب الملايير، من أن ينشئوا جرائد بالأمازيغية، تجد لها مكانا على رفوف الأكشاك، تشهر لها كما تفعل الجرائد المعربة مع العربية والمفرنسة مع الفرنسية، ولكن للأسف لا أحد حاول أن يفعل ذلك، ولا يوجد ما يمنع الخواص -ومنهم ما إن مفاتيح كنوزه لتنوء بالعصبة أولي القوة- من أن يبعث قناة تلفزيونية ناطقة بالأمازيغية تقدم للجزائريين ما تقدمه القنوات العربية الكثيرة، التي يُصبح ويمسي ويبيت عليها الجزائريون، ومع ذلك تجتهد الدولة وتبعث قناة تلفزيونية رابعة بالأمازيغية وتدعم قناة إذاعية ثالثة بالأمازيغية وأخريات محلية، ولا أحد من الجزائريين أو من أهل منطقتي القبائل والأوراس اعتصرته الغيرة على الأمازيغية وقدّم لنا قناة راقية، تجبر الجزائريين على مشاهدتها، كما يشاهدون حاليا مباريات الكرة المحلية، على القناة التلفزيونية الرابعة التي تفضلت بها الدولة، ولا يوجد ما يمنع أهل المال والأعمال من أن يبعثوا مدارس لتعليم الأمازيغية للصغار ولجاهليها، في شرق وغرب وجنوب وشمال البلاد، تيمنا بالذين فتحوا مدارس لتعليم بقية اللغات بما فيها الألمانية والصينية والتركية، ولو من باب التطوّع للانتصار لقضية جوهرية، وليت الأمر توقف عند هذا الحد، فقد أحصت فرنسا في السنوات الخمس الأخيرة، افتتاح أكثر من ثلاثمائة مدرسة لتعليم اللغة العربية في كامل أنحاء فرنسا من أموال المهاجرين، وليس بدعم من الدولة الجزائرية، ولم تشهد ميلاد مدرسة واحدة لتعليم الأمازيغية، وهو ما جعل الاتكال على الدولة، ودفعها لتحقيق هذا المطلب الشرعي، يبقى مجرد معركة خاسرة من دون إعداد للقوة ولا لرباط الخيل، فبقيت الأمازيغية قضية، ولكن للأسف من دون حامل حقيقي لها، لا بالفعل ولا بالقول ولا حتى بأضعف الإيمان.
حتى أصحاب المال، من كبار المستوردين، من الذين يقدمون للجزائريين فطور صباحهم وغدائهم اليومي لا يكتبون على علب التغليف بالأمازيغية، كما يكتبون بالعربية وبالفرنسية، ولن يخسروا في ذلك لو فعلوا سوى قطرات من الحبر وثواني من الوقت، وقد يربحون احترام الزبائن وإشهارا آخر لبضاعتهم.
الذين يقولون إن الدولة هي التي عرقلت الأمازيغية مخطئون، لأنها في الأصل هي نفسها التي عرقلت العربية والفرنسية وكل اللغات ضمن سياسة محاولة "استحمار" الشعب، على حدّ تعبير المرحوم مولود قاسم نايت بلقاسم، لكن الانتصار للأمازيغية التي هي جزء من التاريخ الجزائري، فريضة على الأفراد أولا... وربما أخيرا.
إرسال تعليق