للثقافة أخبار

شعرـ قصص

إعلانات - إعلانات

جديد دورالنشر

الجمعة، 8 مايو 2015

حقيقة المؤلف في" وداعا شوبنهور" للقاص عبد السلام الجباري : إدريس الواغيش

بين نزوع القاص عبد السلام الجباري نحو كتابة القصة وانحيازه للفلسفة ( المادة التي دَرّسها على مدى أربعين سنة) كسلوك و منهاج في الكتابة والحياة، واختياره الابتعاد عن الأضواء،  يكون قد تأثر بمسارات فلاسفة وأدباء سبقوه من أمثال مارسيل بروست ومحمد شكري وباتريك موديانو ومحمد زفزاف.
 أسس القاص الجباري لنفسه عالما خاصا في الحياة بحثا عن الفرادة والهروب من مَحاجّ القطيع في فن كتابة القصة، واختار أن تكون له أيضا خاصيته وطقوسه فيها، خصوصا في مجموعته الأخيرة «وداعا شوبهور» من خلال طابع سردي لم نعتد عليه في كتابة القصة، حيث يقول في قصة/ أناشيد قط: "الكتابة لها شروط، الجنون له شروط، الخيال له شروط، والشرط هو هذا الدفء، هذه الأناشيد التي تشبه سقوط المطر" (ص:47)
 شخصيات النصوص:
 شخصيات نصوصه مثل شخصيات تولستوي في الرواية، لا تشتغل بذواتها وبمواقفها، ولا يعطيها ما يكفي من مساحات للتعبير عن نفسها بحرية أكبر، بل يتحدث بلسانها أحيانا وقد يوجهها هو إلى حيث يريد لها أن تكون هي، كما في قصة: الماريشال  وغيرها( المرأة التي تتوسط باقي النسوة...لم تصمت طول الوقت، تحك شفتيها، تلاعب نهديها من وقت لأخر، تكشف عن ساقيها، تعيد ذلك أكثر من مرة، تفتح فخذيها وتعيد الكرة- المرأة التي تغادر الوسادة- المرأة التي تشبه الرجال- هذه المرأة تكره جميع النساء والرجال- إنها مملوكة لصاحب الدار-...) (ص:49/51)، لكنه مع ذلك نجده في نصوص أخرى/ وإن كانت  قليلة، لا يمسخها مثل ما فعله « زيوس»، فنجدها حرة تستقل بذاتها.
يروض ذاكرته ومفرداته جيدا فتطاوعه، حين يروم نحو الماضي و ما هو اجتماعي فيه، حيث يقول: " بشكل جيد أتذكر صوته العذب، الشركي ابن طبقة فقيرة من رأسه إلى قدميه..." (ص:37)، ويسترجع اللحظات الأكثر حميمية في زمن الأحلام: " زمن الرابيلات، زمن نبيذ الشمس الدافئة، زمن الركن الهادئ، زمن هيلدا، وهي تجفف دموعها بتبانها الأبيض وتفتح سجائر"دونهيل"، تلاعب بشفتيها السيجارة تلو السيجارة...."/ قصة: الطنبوري والكرسي/ ص :130)، أو لقطات من المقهى فترتسم الصورة أمام عينيه بوضوح شديد لا شبهة فيه، لكن يلزمك معه أداة للقبض على كل تلك اللحظات الهاربة في نصوصه. لا يهم أن يتحرّى الكلمات المهذبة أو الأسماء الناصعة البياض في قاموسه، لكن ينهج نفس (الإباحية) على خطى محمد شكري في بعض نصوصه،  هويته الصورة والعلامة والجسد الفاتن والكتابة، لا يختار منهجية في الكتابة على خطى «جاك دريدا» الذي تعرض بدوره لنقد واسع من فلاسفة من مثل هانز جورج غادامير، ويورغن هابرماس، وبول ريكور، فقط لأنه تمرد على المنهج والمنهجية.
 أسلوب الجباري في الكتابة غير مروض كما يبدو في أول وهلة، لكن يتبين في الأخير أنه يتحكم فيه وفق ما يراه هو، كمؤلف لا كما يريد القارئ أو المتلقي،  فيصبح بذلك الانفلات من رقابة القارئ ضروري عنده. كتابته لها نسق من الإشارات والرموز، يصل من خلالها الخطاب بين الكاتب والقارئ بسهولة ويسر، لكنه يضعنا في كثير من المواقف في ورطة، ونحن نجتهد في تحديد الصلة بين الممكن- الواقع والممكن- المستحيل في نصوصه.
قد تبدو الكتابة عند القاص الجباري "تخريب" داخل "التجريب"، وتحتار من أين تمسك بها، من جهة البنيوية أم في الموضوعاتية كي تحدد أفقا نظريا يسمح لك بمسك معالم الكتابة عنده، التي تبدو في ظاهرها انسيابا خياليا وتأملات شاردة، رغم تواجد الكثير من الأسماء والأمكنة التي يحاول من خلالها إضفاء بعض الواقعية على نصوصه.
مع ذلك يبقى "الإبداع (عنده كما يقول في أكثر من محطة) باقة ورد...، الإبداع إحساس، الإبداع مثل السماء، مثل البحر، مثل النسيم، مثل آلهة الخير" (قصة: كأس الدكتور رايموندو هارنيط/ ص:67) فأغلب النصوص تنطلق من فرضيات واقعية، لكن البعد الفلسفي الطاغي فيها يجعها أقرب إلى تأملات شاردة تبحث عن الحقيقة الضائعة، في واقع يحاول المؤلف أن يقدمه كحقيقة أو على شكل حكمة (كما في قصة: الدار البيضاء/ حيث يقول: في مدريد الصرامة وفي الدار البيضاء لحنان...ص/82).
الخطاب الكرنفالي في "وداعا شوبهاور" :
هي خطابات متعددة في خطاب واحد (قصة: أناشيد قط مثلا)، لكن هذه الخطابات لا تصل إلى حد «الحوارية»، لتبقى نصوصا فسيفسائية متنوعة المشارب والرؤى، تتعدد بتعدد شخصياتها والتوائها التركيبي والمقطعي وهوياتها المتعددة والغير متناغمة، على المتلقي أن يعرف ظاهرها من باطنها، وأن يولد منها ما شاء له من معاني دون الأخذ  في الحسبان الخصائص الشكلية للقصة، التي قد تأتي عند الجباري في "شوبنهور" مختلفة عما هو متعارف عليه في القصة أحيانا، لأن " الكتابة لديه ليست امتدادا خيطيا، أو ترابطا نصيا أو صيغة نحوية، بل هي معارك داخل الكلمات والجمل، وفي فضاء النص ثمة حالات حروب وانتقام بين الكلمات، مما يتيح لها المجال للصراع وكأن القلم هو محرك عرائس، ولكأن الكتابة لعبة وممارسة متناقضة أو متخالفة ومتداخلة"*.
وهذا ما يجعلنا نحتار في تقييمنا لهذه النصوص ما بين الموضوعية والذاتية، و قد تتطلب الفكرة منا أحيانا الانسياق مع خيال المؤلف بحثا عن حقيقته و مقصديته، والسؤال الذي يفرض نفسه علينا بشكل مختلف هنا هو: إلى أي مدى يسمح لنا بالسفر معه في القصة تحديدا؟. لكن ما يشفع للقاص الجباري هو نجاحه بامتياز في أن يجعلنا نعيش ونتعايش مع الأحداث  في هذا العمل القصصي، وهو أهم نقطة في أدبية العمل الأدبي بشكل العام، يفشل في الوصول إليها كثير من المبدعين كما ينجح آخرون.
إنه يضعنا هنا أمام إشكالية الجملة الأدبية، والأدبية في النص الأدبي عموما والقصة القصيرة تحديدا، قصيرها وطويلها وحتى شبه الجملة منها( الأغنياء، المسئولون الكبار، أصحاب الامتيازات الكبرى، أبناء وبنات الأثرياء، الوزراء، أباطرة المخدرات، هؤلاء لا يتألمون./ص:102)، أو الكتابة المقطعية التي يعتمدها كثير من القصاصين على اختلاف مراتبهم ودرجات إبداعهم، فنجد لأنفسنا مخرجا وندخل الجملة أو ما يشبهها في شعرية العمل الأدبي.( قصة: أناشيد قط، وغيرها)، قصصه لا تخضع للزمان العادي، وليس لها ماضيا أنطولوجيا أو معرفيا، لكنها مهيأة باستمرار للانفلات من سطوة الزمن الواحد.
العوامل الغائبة والحاضرة في النص:
العوامل الغائبة في النص أكثر من الحاضرة فيه، لذلك نجد أنفسنا كقراء مجبرين على الرفع من المستوى الضمني إلى مستوى التجلي، انطلاقا من القراءة الأولية وفق نسق الكتابة في النص الواحد، وقد لا تبدو فيه الترابطات اللفظية متناغمة بما فيه الكفاية وفق قالب سردي متكامل. لكن المعنى العام الذي يبحر فيه السارد، وهو عالم فلسفي محض أكثر منه سردي، هذه الخاصية تخفف من حدة التعارض الاستعاري بين الظاهر والباطن، وبين الشكل والمعنى وبين "واقعية" الملفوظ على المستوى التركيبي والمستوى المجازي الذي هو في بعده فلسفي خالص.
أدبية النصوص عند الجباري تتجلى في تحفيزنا على القراءة والاستمرارية فيها إلى آخر نفس، والدفع بنا إلى ما هو معرفي محض، كل نص يدفع بك إلى قلب الصفحة للنص الموالي في لذة غامضة، من خلال تكسير إيقاع البناء السردي عبر متواليات لفظية ( جمل- أشباه الجمل- متواليات لأسماء و أمكنة وأشخاص-...)، هذا التكسير سيصبح مألوفا حتى وأنت تنتقل بشكل فجائي لدرجة التعسف أحيانا من حدث إلى آخر أو من مكان إلى آخر.
 قد لا تعرف مصدر القلق والحيرة في نصوصه، التي تنهي في غالبيتها بنقط الحذف أو علامات التعجب والاستفهام، لكنها مع ذلك تستفزك في خصوصيتها للمضي قدما في البحث عن النص الموازي، وعما لم تجده فيمن سبقه من نصوص وعن حقيقة المؤلف فيها بشكل خاص، وهذه من أهم شروط أدبية أي عمل أدبي في القصة كما في الرواية.
هوامش:
1- باشلار بين التحليل النفسي والمنهج الظاهراتي، أو البحث عن رؤية نقدية جديدة
                                                  دراسة: سعيد بوخليط
2- جاك دريدا... فيلسوف التفكيك و«التشتيت»*
                                   / دراسة:فهد الشقيران
3- في معرفة القصة المغربية المعاصرة/ تأليف الناقد المغربي محمد يوب
4- تحليل النصوص الأدبية
              قراءات نقدية في السرد والشعر
                     تأليف: عبد الله إبراهيم / صالح هويدي
5- فن القصة القصيرة عند أبي رجاء أبي غزالة
    دراسة نقدية تحليلية – تأليف علي محمد المومني

7- مقالات ودراسات من الأنترنيت 

إرسال تعليق

 
لا يتحمل الموقع تحت أي ظرف مسؤولية المساهمات التي تتضمن خرقا لحقوق الملكية الأدبية أو حقوق النشر، و يحق لكل متضرر رفع الضرر عن طريق مراسلة مدير الموقع
copyright © 2013 الزمن المغربي
مجلة الزمان المغربي مستقلة تجدد كل يوم