للثقافة أخبار

شعرـ قصص

إعلانات - إعلانات

جديد دورالنشر

السبت، 6 فبراير 2016

"ادريس بنعلي الذي علمني" يحيى اليحياوي

إلى روح أستاذي ادريس بنعلي في ذكرى رحيله الثالثة
"ادريس بنعلي الذي علمني"
لا أستطيع، وأنا أخط هذه الكلمات، إلا أن أعترف بانحيازي الكامل لصاحب الذكرى،

الراحل ادريس بنعلي:

+ فالرجل، رحمه الله، كان أستاذي بجامعة محمد الخامس بالرباط أواسط ثمانينات القرن الماضي. تعلمت على يديه أصول المنهج والمنهجية في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وتعلمت على يديه التحليل في علم الاقتصاد والتاريخ.
لم يكن، بهذه النقطة، وهو يدرسنا تاريخ الأحداث الاقتصادية والاجتماعية، لم يكن تجريديا صرفا، ولا موغلا في النظري الجاف. كان يقول لنا دائما: "يجب بالبداية ملاحظة الظاهرة بأرض الواقع"، في حركيتها وتموجاتها، ثم الانطلاق منها لتبيان هل تؤسس لصيرورة ثابتة وممتدة، أم منحصرة في الزمن والمكان، انحصار الحدث ذاته، أو شذوذه عن الرقي لمستوى التعميم.
+ والرجل كان ملهمي (ولا يزال دون أدنى شك) في قوله بضرورة اعتماد المداخل متعددة التخصصات لمقاربة هذه الظاهرة أو تلك، إذ في تقاطع الحقول المعرفية تكمن معظم عناصر إذا لم يكن الحقيقة، فعلى الأقل المعنى والعبرة.
ولهذا الاعتبار، لم أتعلم، أنا والحشد الكبير من طلبة السنة الثالثة اقتصاد، لم أتعلم على يديه تاريخ الأحداث الاقتصادية والاجتماعية (مادة مقرر درسه الجامعي) لم نتعلم ذلك في إطلاقيته، بل تعلمناه ودونما دراية كبيرة من لدننا، في طار تاريخ الأفكار وعلم الاجتماع والأنتروبولوجيا والإبستمولوجيا والأثنولوجيا وعلم السياسة وما سواها.
لقد كان يحلق بنا في عوالم متعددة ومختلفة، ويرقى بمستوانا المتواضع إلى آفاق لم نكن ندركها كثيرا، لكنه لم يكن ليكترث بذلك كثيرا ولكأني به يقول لنا: "هذا هو المفروض علي تقديمه لكم، أما ما سواه فهو من اجتهادكم الخاص"...وقد أدركت ذلك بقوة عندما "احترفت" القرطاس، ووجدتني أنسج على منواله في حتمية اللجوء لكل علوم الاقتصاد والإنسان والمجتمع لمقاربة الظواهر.
+ والرجل علمني أن لا شيء خارج السياق، إذ السياق بنظره هو المفضي للفهم، لا بل قل هو الباني لذات الفهم، والمحيل من خلاله على المعنى وعلى سبر أغوار الظواهر.
إن السياق، برأي ادريس بنعلي، ليس مطلوبا باعتباره أداة منهجية رائدة، بل مطلوب أيضا لأنه يسهم بقوة في تفكيك عناصر الظاهرة من خلال وضعها في صيرورة تمنحها الاستمرارية أو السكون.
ولهذا الاعتبار، فقد علمنا أن الثورة الصناعية بأوروبا إنما أتت في سياق انحسار مد الفيودالية والإقطاع، وتقدم وتيرة تراكم رأس المال التجاري ثم الصناعي ثم المالي فيما بعد، لا بل لقد كان جازما عندما اعتبر أن الرأسمالية إنما خرجت من رحم الفيودالية والنظام الإقطاعي، وهو ما لم يسعفه كثيرا في حالة أطروحته عن المغرب ما قبل الكولونيالي، والذي لم تفرز فيه الفيودالية نمطا في تراكم رأس المال يذكر.
+ والرجل فتح عيناي، وأعين زملائي بالكلية، على رواد في الفكر الاقتصادي والاجتماعي، لا يستقيم الفهم والمعنى إلا بالرجوع إلى مؤلفاتهم واستحضار آرائهم. فنصحنا بقراءة كتب فرناند بروديل وإيمانويل فالرشتاين، وأشار إلينا بضرورة الاطلاع على الفكر الماركسي بكل تموحاته، ولم يكن يأبه بمستوانا عندما كان يمتحننا كتابيا عن هؤلاء، ولكأنه يعمد إلى إذكاء فهمنا، وتحصينه من هذه القراءة الاختزالية أو تلك.
أنا هنا، وبما سبق، لا أثني على أستاذ لي أعترف له بالجميل في جزء كبير من تكويني الأكاديمي، بل أثني من خلاله أيضا على طينة من أساتذة كان العلم لديهم مقرونا بالموقف، والتحليل ملازما للموضوعية والرأي ملازما للقناعة.
لذلك، فعندما عمل الرجل في جمعية "بدائل"، ثم التحق بجماهير حركة 20 فبراير الاحتجاجية، فهو لم يكن يبحث عن موطء قدم، ولا يرسم لبلوغ مغنمة، بل كان ينطلق من قناعات ثابتة لديه مفادها أن الأحزاب باتت مترهلة، والمخزن متجبر، واللعبة السياسية في رمتها ملغومة، والحل الأنجع لتجاوز كل ذلك لا يتأتى إلا من خلال ضغط المجتمع المدني، وتدافع موازين القوى بالفضاء العام.
كان يدفع بهذا التصور بلطف وأدب، وكان يجاهر به دون نعث هذا أو الإشارة إلى ذاك، شخصا ذاتيا كان أم مؤسسة قائمة. لذلك فقد كان صادقا في آرائه ومواقفه، دون مجاملة أو تحيز...فكان رائعا بهيا، تماما كجنازته وأكثر.
رحم الله ادريس بنعلي...الأستاذ المعلم.
يحيى اليحياوي

الرباط، 4 فبراير 2013

إرسال تعليق

 
لا يتحمل الموقع تحت أي ظرف مسؤولية المساهمات التي تتضمن خرقا لحقوق الملكية الأدبية أو حقوق النشر، و يحق لكل متضرر رفع الضرر عن طريق مراسلة مدير الموقع
copyright © 2013 الزمن المغربي
مجلة الزمان المغربي مستقلة تجدد كل يوم