باتريك موديانو: لحظة تسلمه نوبل في ستوكهولم*ترجمة: سعيـد بوخليـط
كان الوقت متأخرا،ليلة الأربعاء 10دجنبر، في مدينة ستوكهولم.أسبوع الاحتفالات المرتبطة بجوائز نوبل،أشرف على نهايته.ضيوف المأدبة البالغ عددهم 1250شخصا،ينهضون من المائدة،كلما صعد متوج، الواحد بعد الآخر،إلى القمطر، من أجل إلقاء كلمة أخيرة.
في خضم ذلك،سينبثق مفهوم بين طيات كلمة باتريك موديانو ،حين شكر أعضاء الأكاديمية السويدية،معترفا بنبرة صوتية هادئة، تشبه صوت شيخ حالم،بما يلي:((مدهش،أنه بضربة عصا سحرية،داخل مجمع العظماء هذا،سينبعث كثيرا من رموز فترة شبابي، أولئك من خلقوا لدي رغبة أن أصبح كاتبا،وحينما ساعدتني القراءة، كي أعيش ساعات المراهقة)).
إذن، نوبل هي الآتي :"ضربة عصا سحرية"،تمنح تكريسا كونيا ابتداء من شهر أكتوبر، سنة الفوز بالجائزة. ثم أثناء شهر دجنبر،يمر أسبوع غني جدوله الزمني كليا،بالندوات الصحفية وحفلات الاستقبال وإلقاء كلمات مباشرة أو رسمية،حسب إيقاع مليمتري.شهرة،تدوم بعد ذلك وتمنح وزنا لكل إقرار،بما فيها الأكثر خطأ،مثلما ورد يوم الأربعاء العاشر من دجنبر،على لسان الكيميائي الجديد "ستيفن هيل"،حينما تسلى بعبارته:((أبعد من أن تذهلني الجائزة،أطمح كي تمنحني مزيدا من صحوة الوعي، وكذا تواضعا في مهنتي ككاتب))،مثلما تمنى من جهته موديانو.
أن تتواضع،هو الأمر الأكثر صعوبة؟فكل فائز من بين المتوجين، بعد تلقيه مكافأة تصل إلى ثمانية ملايين كورون سويدية،أي حوالي 860 مليون أورو،وفي غضون أسبوع من الاحتفالات،سيتمثل ذاته كأحد نجوم الروك :استقبال في المطار،مثلما يحدث مع الشخصيات المرموقة وغرفة في أفخم فندق بالمدينة وتناول وجبة الفطور في السفارة وكذا ملاحقات حشد من الصحفيين والمعجبين،بالتالي وعلى الرغم من حساسية الكاتب المفرطة تجاه الناس،سيضطر خلال هذه المناسبة إلى تقديم توقيعات.
بلغ هذا الأسبوع غير العادي أوجه ،يوم الأربعاء10دجنبر،بعد الظهيرة،فترة التسليم الرسمي للجوائز.إذن،بعد ثلاثة فيزيائيين وثلاثة كيميائيين وكذا ثلاثة أطباء،جاء دور باتريك موديانو، مرتديا لباسا رسميا خاصا بطقوس الحفل،متقدما الخطى كي يتسلم وسامه من يدي الملك،منحنيا ثلاث مرات أمام الملك والأكاديميين وكذا الجمهور.
لا مجال للعشوائية، فقد تكرر كل شيء خلال صبيحة اليوم،كأننا بصدد "تنظيم بطولة"على حد قول "جون تيرول"، الاقتصادي الفرنسي-المتوج أيضا بنوبل هذه السنة- الذي سار خلف موديانو، فوق السجاد الأزرق.
تيرول، تسلى وأطرى، لكن مع إفصاحه في ذات الوقت عن الشعور بالتحسر،جراء هذه الشخصنة القصوى، لمجهود يبقى ثمرة عمل جماعي بشكل واسع :((بيد أنه، إذا كان من شأن الجائزة،إثارة الانتباه قليلا حول الاقتصاد والجامعة الفرنسية ثم ما أنجزناه داخل فضاءات جامعة تولوزToulouse ،فسيكون جيدا أن نحصل عليها)).
أما بالنسبة لموديانو،فرهانه يرنو نحو هدف ثان،أن تقرأ أخيرا نصوصه في الخارج،بعد شهرة طويلة داخل بلده فرنسا،وترجم حقا إلى ست وثلاثين لغة،كما أنه راكم داخل بلدان مثل إسبانيا وإيطاليا وألمانيا،شبكة من الأوفياء،مع هذا لاتلج رواياته حلقة العناوين الأكثر مبيعا(بست- سيلر) . أما بالنسبة لإصداراته في لغات أخرى،فلا نعثر إلا على حفنة من كتبه، ويتعلق الأمر غالبا،بنصوصه الأولى التي أضحت قديمة.
في هذا السياق، يتذكر "بير آن تجادر" : ((كانت السويد الأولى التي ترجمت روايته" la place de l étoile"سنة 1970، بحيث كتبت في حينه دراسة عن موديانو.ثم توالت أعماله بكيفية متواترة. غير أنه بعد ذلك،سيتوارى موديانو نحو الظل،إلى غاية أن طرحت حديثا دار نشر صغيرة، بعض الترجمات)). نسيان ليس مقتصرا على موديانو،بل يضيف"أرن تجادر" : ((كل الأدب الفرنسي والألماني والايطالي، إلخ.آداب، لاتثير هنا اهتماما،مقارنة مع الاهتمام المتزايد حول الإبداع الأنكلوساكسوني)).النتيجة :بينما كامو وسارتر وبارت أو تروفو، كانوا نجوما،فإن : ((اللغة والثقافة الفرنسيتين الحاليتين،هما تقريبا مجهولين، داخل السويد)).
بالنسبة إلى العالم الأنكلوساكسوني،لايستدعي اسم موديانو،شيئا:((تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية،البلد الأكثر انعزالا في العالم من الناحية الثقافية،بحيث تمثل الترجمات بالكاد 3% في السوق)) ، هكذا يشرح بتحسر الأكاديمي "بير وستبرغ"، الذي عمل لصالح اختيار موديانو.
هل بوسع نوبل، تغيير المعطى؟هذا مايمثل حقا طموح "آن سولانج نوبل" مديرة الحقوق الدولية لدى غاليمار.يوم الإعلان عن الجائزة،تواجدت هذه الفرنسية-الكندية المثابرة،بين زوايا صالون فرانكفورت بهدف التفاوض حول حقوق الكتب في العالم قاطبة.تتجه أولويتها إلى إقناع الناشرين الأجانب كي يعيدوا إصدار الترجمات المتوفرة آنفا،ثم إن أكبر عدد ممكن من العناوين،تعرض للبيع ابتداء من هذا الشهر،الذي يشكل مناسبة لاستمرار الحديث عن موديانو،نتيجة أصداء نوبل،تقول صاحبتنا :((إن المفعول الفوري لنوبل،لايستغرق غير قليل من الزمان،مادام سيتم تسليط الأضواء في السنة المقبلة على كاتب آخر.بالتالي، ينبغي الإسراع)).
هكذا،في ظرف ثلاثة أسابيع،وقعت مائة عقد كي تحيي ثانية على امتداد كل العالم،عناوين استهلكت في الغالب.انطلاقة جديدة إذن،بالنسبة لغاليمار،وقد شرعت في بيع حقوق ترجمات جديدة.لقد تم إبرام،تسعة عشر عقدا تهم الرواية الأخيرة،لموديانو التي تحمل عنوان :
pour que tu ne te perdes pas dans le quartier
تخبرنا دائما "سولانج نوبل" والسعادة تغمرها :((أتيت على توقيع اتفاق مع الأمريكي "هوغتون ميفلين أركور''،الذي التزم بإصدار تلك الرواية في الولايات المتحدة الأمريكية)).
خلاصة : تتوقع السيدة، أنه من بين عدد الإصدارات،ينبغي زيادة مبيعات موديانو في الخارج، بعشرة أضعاف.تستشرف، اللحظة المفصلية خلال سنتين بالضبط ،بعد أن تعمل مختلف الترجمات الجديدة على الإتيان بما هو قابع في القاع، إلى الواجهة.إنها كالديناميت !هكذا كان بوسع ألفريد نوبل نعتها،صاحب اخترع المتفجر الذي وهب ثروته،من أجل خلق جائزة أضحت اليوم الأكثر اعتبارا في العالم.
ثانيا : حوار مع" وستبرغ" رئيس لجنة نوبل :
الكاتب والمدافع عن حقوق الإنسان "بير وستبرغ"،يرأس لجنة نوبل داخل الأكاديمية السويدية. يعتبر بشكل كبير الشخص،الذي كان وراء تتويج موديانو.من داخل شقته الجميلة ذات اللون الأبيض،وسط ستوكهولم،سيشرح لنا هذا العاشق الكبير لفرنسا،كيف اختارت اللجنة موديانو.
1-س- لماذا فاز موديانو بجائزة نوبل؟
ج-داخل الأكاديمية السويدية،نحن خمسة كتاب أعضاء لجنة نوبل.ثلاثة بيننا ،يتابعون موديانو منذ فترة بعيدة.لقد قرأت عمله الأول،قبل أربعين سنة،ما إن ترجم إلى السويدية.بعد ذلك،اطلعت على نصوصه بالفرنسية،لأن لغته جد بسيطة ومباشرة ومكثفة،بحيث يسهل قراءتها حتى بالنسبة إلينا.نحن الثلاثة،التقت رؤانا حول تثمين كتابات موديانو.أثناء زيارة إلى باريس،وإقامتنا في المأوى الذي تمتلكه الأكاديمية ،ارتدنا حتى المقاهي التي تكلم عنها في نصوصه الروائية !بعد ذلك ينبغي إقناع باقي الأكاديميين.
2 –س-كيف تم الأمر؟
ج-لاشيء تحكمه الصدفة.نتلقى كل سنة،مايقارب مائتين وثلاثين مقترحا،تصلنا من كل أوساطنا في بقاع العالم،ترشح تتويج كتاب دون غيرهم.ننتقي أولا خمسين، ثم يقل العدد إلى خمسة وعشرين.خلال شهر أبريل،وانطلاقا من موقعي كرئيس للجنة،يلزمني استعراض أسماء هؤلاء الكتاب أمام زملائي في الأكاديمية.انظروا إلى ماكتبته، حول موديانو :خمسة عشر صفحة مركزة .بعد ذلك،يصوت الأكاديميون الثماني عشرة،يوم الخميس الثاني من شهر أكتوبر.بعد النقاش،وقليلا من "الضغط السيكولوجي"،تتبلور في المجمل، أغلبية صريحة.
3-وموديانو؟
ج-لقد أدرجناه ضمن لائحتنا منذ أربع سنوات.هي سعادة بالنسبة إلينا،أن نمنحه هذه الجائزة،لاسيما أنه لم يكن يحظى بالأفضلية إلى جانب المتسابقين على الرهان.
4 – س-معه بلغت فرنسا تتويجها الخامس عشرة؟
ج- نعم فالبلد، من يرتقي أساسا نحو الواجهة.كانت بداية سيئة جدا، مع "رينه سولي برودوم"،أول فائز بنوبل في الآداب سنة 1901،لأنه لم يكن بالشاعر المتميز !آنذاك، سقطت مهمة نوبل على رأس الأكاديمية السويدية،فأسرعت إلى طلب الأكاديمية الفرنسية، كي تقترح عليها اسما، ولم يكن غير "برودوم".فيما بعد،صارت اللائحة أفضل :مورياك، كامو،سان جون بيرس،سارتر، لوكليزيو،ثم موديانو… .
5س-لكن توجه إليكم تهمة، انحيازكم إلى أوروبا؟
ج-نتوخى قدر مايمكن، أن لانتمركز أوروبيا.في الأكاديمية،نقرأ كل اللغات الاسكندينافية والانجليزية والألمانية والفرنسية،كما نضم أيضا متخصصا في الصينية والروسية، إلخ.عموما،يمكننا قراءة اثنتا عشر لغة،كما نسدد مكافآت لمترجمين،حتى يكتشفوا نصوصا أخرى،عربية مثلا،لكن في غالب الأحيان،نصاب بالخيبة.
6-س-ماهي المعايير التي توجه اختياراتكم؟
ج-يكمن السر، أولا وأخيرا، في التفوق الأدبي.لاتأثير هنا للسياسة والدبلوماسية،حتى لو كنا نعلم بأن اختياراتنا ستثير طبعا تعليقات من هذا النوع،مثلما وقع سنة 2012،مع "مو يان" الكاتب الساخر الكبير،من المجتمع الصيني.حسب وصية نوبل،بوسعنا منح الجائزة إلى روائي، لكن كذلك إلى مؤرخ،وباحث أو فيلسوف،وهو ماقمنا به مع برجسون و تشرشل،لكنه سياق يظل نادرا.نحب أيضا، التوجه بالجائزة إلى شعراء،أتذكر هنا أسماء مثل : تشيسلوف ميلوز( 1980) و جوزيف برودسكي(1987) أو فيسوافا شيمبورسكا(1996)وهي معروفة لديكم في فرنسا.
7س-يمكننا أيضا أن نورد "جاك روبو" و"جاك ريدا " Réda؟
ج-أشير أيضا إلى اسم "إيف بونيفوا"،لكن بصفة عامة،يتجه انشغالنا إلى نثريين وروائيين يكتبون بطريقة شعرية، فالعالم يفتقد إلى شعراء كبار.
هامش :
مرجع النص والحوار :
*le Monde :vendredi ;12 décembre ;2014.
إرسال تعليق