للثقافة أخبار

شعرـ قصص

إعلانات - إعلانات

جديد دورالنشر

الثلاثاء، 14 أبريل 2015

حوار حول الدكتور رشدي فكار أجراه الأستاذ الخضر الريسوني مع الأستاذ الباحث محمد العلمي الوالي

حوار حول الدكتور رشدي فكار أجراه الأستاذ الخضر الريسوني مع الأستاذ الباحث محمد العلمي الوالي أُجري هذا الحوار في 22/9/0002
نص الحوار عن الفقيد رشدي فكار مسجل بالإذاعة الوطنية بالتاريخ المذكور أعلاه.
هذا الحوار معكم الأستاذ الشريف محمد العلمي وموضوع  الحوار لرفقتكم لحوالي ثلاثة عقود مع الراحل الكريم الأستاذ المفكر الدكتور رشدي فكار، عن هذه الحقبة الطويلة من الزمن، نريد أن نعرف  ماهي علاقتكم مع الأستاذ الراحل رشدي فكار ؟ وكيف بدأت ؟
أولا بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله،
الحلقة الأولى
أشكر الأستاذ والأخ الريسوني على دعوته لتقديم نظرة وحقيقة معاشرة لشخصية من الشخصيات العالمية التي أسدت الخدمات الجليلة للعالم العربي والإسلامي لأحد مفكري الفكر الاجتماعي والإسلامي وأستاذي الجليل، ولو أنني كنت أتمنى أن أكون في جلسة أخرى لكن مع الأسف جاءت الظروف هكذا والحمد لله، فالأستاذ فكار رحمه الله عرفته في دروسه في كلية الآداب التي كانت القاعة تمتلئ بالطلبة من عدة فروع، من التاريخ، ومن الفلسفة وخاصة مادة علم الاجتماع ومدارسه، والأدب، وكانت القاعة تكتض بالطلبة ولا يمكن لك إنْ لم تأتِ باكراً من الصعوبة أن تجد مكاناً هناك، بحكم الدروس التي كان يلقيها خاصة حين يتحدث عن المدارس الاجتماعية في أوربا وفي فرنسا، وقد تميز بفن الإلقاء الذي لا يمكن لك أن تمل كلامه لأن الله منحه صوتا جهوريا، وكان رحمه الله يلقي الدرس وهو في راحة شاملة وكأنه سيل فائض من العلم والمعرفة، ويمكن أن نقول إنه رجل موسوعي بكل معنى الكلمة، لأن كثيراً ما كانت تطرح أسئلة خارج الموضوع وكان يجيب عليها بمعلومات تسدي فوائد لا بأس بها، على كل معرفتي بالدكتور رشدي فكار[1] كانت رحمه الله حين أتى عندي إلى المكتبة الجامعية التي تأسست منذ حوالي أربعين سنة تقع في شارع محمد الخامس بالرباط، وكان يتردد علي بحكم أنني كنت مهتم بكتب علم الاجتماع وبالكتب الدينية والفلسفية والتاريخية والجغرافية وغيرها من العلوم الإنسانية، فنظر إلى المكتبة وقال لي إنك تعرف الاختيارات الجميلة ودقيق في اختياراتك لهذه الكتب فسأرسل لك كل الباحثين الذين يكونون في حاجة إلى بعض المصادر وبعض المراجع التي تساعدهم في بحوثهم، وفي المعرفة، وهكذا بدأت العلاقة واستمرت وكان يتردد علي كثيراً إلى أن انتقلت إلى شارع علال بن عبد الله في محل كنت أبيع فيه الملابس والذي تحول فيما بعد إلى مكتبة عالم الفكر، وكان يأتي هناك، وكذلك كان يأتي الكثير من العلماء ومن ضمنهم وأعظمهم أستاذي الدكتور سامي النشار رحمه الله الذي يمكن أن نقول إنه من رواد الكتابة في الفكر الفلسفي الإسلامي ومؤلف كتاب «مناهج البحث عند مفكري الإسلام» و«نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام» والذي طُبع عدة طبعات، وكان يلتقي معه وتقع الحوارات كل في ميدانه، وكانت المصارعات الفكرية كثيراً ما تقع وتطرح وجهات النظر مختلفة، لكن في الأخير نخرج بنتيجة جميلة جداً على أنه فيه صدر رحب للنقاش وللاختلاف ولِقبول كل من لديه رأي لا يمكن أن يلغى بحكم المعرفة التي كانت تتمثل في شخصية فكار رحمه الله، واجتمع كذلك في ذلك المكان مع أستاذي عبد الله عنان رحمه الله الباحث المؤرخ الكبير في الفكر الأندلسي وهو أكبر رائد في كتابة تاريخ الأندلس وكتب موسوعة كبيرة في هذا الميدان «دولة الإسلام في الأندلس»، يمكن أن نقول من أهم الموسوعات التي صدرت في هذا الموضوع، فضلا عن ذلك كان الدكتور فكار يتمتع بصحة جيدة وكان يصعد إلى الدرج الأول عندي في الدكان، يقول الريسوني : «كانت هي الصومعة»، طبعا هي الصومعة فلما صعد إلى هناك وجد لديَّ مكان فارغ قال لي يا امحمد هل تريد أن نضع صومعة هنا، صومعة فكارية، فقلت له لماذا لا أنت أحق بها أنت صاحب المحل وسلمته مفاتيح المكتبة، فبدأنا نرتب تلك الصومعة الجميلة والصعبة في الصعود لا يكاد حتى الشباب لا يستطيعون الصعود إليها لكن رحمه الله كان يصعد إليها ببساطة حتى كنت في بعض الأحيان أخشى أن يصيبه مكروه وكان يجيبني ويقول لا تخشى عليَّ يا امحمد «فالأبطال تموت وقوفا» هذه قولة مارتن هيدغر 1889-1976 Martin heidegger  وهو أحد مؤسسي الوجودية الألمانية الملحدة والداعية الأساسية لها، على كل، كانت تلك الصومعة بالنسبة لي محج للباحثين الذين يأتون عنده لمراجعة أبحاثهم ورسائلهم الجامعية لمناقشتها والتدقيق فيها مع الفقيد رحمه الله، وكان يزودهم بمعلومات هامة ولا يبخل عليهم بوقته الثمين، بل كان في كثير من الأحيان يمد مساعدات مادية لبعض الطلبة الذين يكونون في حالة فقر أو لا يستطيعون شراء الكتب وبعض المراجع.
أما بالنسبة للأعمال التي قام بها وأنجزها في هذه الصومعة فيمكن أن نقول إنها عديدة وكثيرة وهي عصارة تفكيره خلال المدة أو الفترة الزمنية العلمية التي عاشها في حياته، فقد كتب موسوعة في علم الاجتماع العربي الإسلامي سمَّاها «نحو نظرية حوارية إسلامية» في ثلاث مجلدات وهي نظرية في حد ذاتها تحاور الغرب من خلال الحضارة التي يسيطر عليها في عصرنا هذا، والذي أصبح الإنسان الآخر ملغاً بالنسبة للغرب، فالدكتور فكار رحمه الله طرح نظريته في هذه الموسوعة وحاور الغرب خاصة من خلال القرن التاسع عشر إلى نهاية القرن العشرين.
ما هي العلاقات وما هي الأعمال التي قدمها الغرب في هذا العصر؟
طبعاً الغرب تفوق ولكن الغرب لا يمكن أن نقول له إنه اعتمد على مصادره العلمية من التراث الغربي فقط، وإنما هناك تراث إسلامي عظيم استغله وطوره واستخلص منه ما يهمه في ميادين عديدة في التاريخ وفي الجغرافية وفي الحضارة وفي القوانين وفي علاقة الدين بالفلسفة، فلذلك كتب هذا الكتاب أو هذه الموسوعة ليظهر علاقة حوارية جديدة مع الغرب خاصة ينطلق من شخصية هامة جداً وهي شخصية «سان سيمون» المسيحي والإنسان الذي قدم خدمات جليلة للإنسانية جمعاء، وكان من منشئي علم الاجتماع بالنسبة للنظرية الغربية، وكذلك من رواد الفلسفة الاشتراكية التي تطورت وأصبحت لها جمعيات دولية قبل أن يأتي ماركس ويطورها ويخرج منها الجانب الديني. ففكار يعلم علم اليقين أن العالم العربي يعاني أزمات عديدة لا نريد أن ندخل في تخصيص وتحديد نوعها لأن أزمة الإنسان الغربي التي تحولت وانصبت على الإنسان المسلم المعاصر وهذه الأزمات وهذه المعاناة حاول في هذه الموسوعة التي سماها «نحو نظرية حوارية إسلامية» تواضعا منه، ويذكر الريسوني بقوله : «حوارية إسلامية مع الغرب»، ويمكن أن نقول حوار مع المسلم كذلك ومع المجتمع العربي والإسلامي كذلك حوار مع العرب في إطار حضاري شامل، ونذكر أنه سبق «صامويل هانتكتون» في مسألة حوار الحضارات في هذه الموسوعة، فهي موسوعة هامة جداً كان يتأمل في الصومعة ونجده بعض الأحيان كأنه غير موجود ينسى نفسه بحكم أنه يكون منهمك في التفكير العميق الذي كان عليَّ من الصعب التحدث معه، كنت أصعد إلى الصومعة بهدوء ولا أستطيع أن أقلقه لأن الرجل يكون في قمة التفكير وقمة وضع القوانين لهذه النظرية حتى لأشوش عليه طبعا رحمه الله
الحلقة الثانية
كان صارما في العلاقات، ومن باب الصرامة التي كان يعطيها كنموذج ويطبقها على نفسه، هو أنه صارم في العلاقات مع أصدقائه بالنسبة للمواعيد، وأعتقد أن هذه القضية تثار بحكم أننا أصبحنا في هذا العصر لا نعطي للوقت قيمة، فكان يرتبط مع طالب من الطلبة أو أستاذ من الأساتذة بالساعة والدقيقة وإذا تأخر يرفض لقاءه حتى كنت كثيرا ما أتدخل بالنسبة لشخصيات ىأتون من الخارج ويرتبطون معه كطلبة لديهم بعض الرسائل الجامعية من ليبيا ومن بعض الأقطار العربية، كنت كثيرا أتدخل وأقول له أرجوك يا أستاذ أن تقدر ظروف هؤلاء إنهم بعيدون وليسوا من هذا البلد، وعلى كل يقبل هذا العذر ويستمر معهم ويجلس كأنه لم يقع شيء، ويدخل إلى باب العلم والحوار، وحين تجلس بجانب الفقيد وهو يحاور فإنك تنسى نفسك ولو تكن أنت لك موعد ومرتبط، ويذكر الأستاذ الريسوني : «أذكر الأستاذ محمد العلمي أنني كنت أرتبط معه بمواعيد لإلقاء حوار معه يقدم في المجلة الإسلامية فكنت أصعد إلى تلك الصومعة حقيقة كنت دائما أحاول أن لا أخل بموعيدي معه لأنني أعتقد، أنني أعرف عنه هذه الصرامة»، هذا شيء جميل وفضلا عن الصرامة في علاقته العلمية وفي الأبحاث، كان يساعد طلبته. حتى في مناقشة رسائلهم في كلية الآداب، وأتذكر أنني كنت من الحاضرين في مناقشة رسالة دكتوراة الدولة حول علم النفس الطفل دون تحديد عنوان الرسالة، وتدخل أحد الأساتذة المناقشين للطالب وقال له هذه الرسالة لا يمكن أن تناقش في الكلية في قسم علم النفس، فتدخل الدكتور فكار رحمه الله وأنقد الطالب الذي هو اليوم أحد العمداء في إحدى كليات المغرب، وتدخل الطبيب الدكتور المناقش قائلا للطالب يجب على الباحث أن يضع فرضية علمية ويأتي بأمثلة ميدانية ليثبت تلك النظرية، ولكن الدكتور فكار رحمه الله أنقذ ذلك الطالب وقال للدكتور الطبيب في علم النفس آنذاك نعم ما قلته يا أستاذ صحيح ولكن لا ننسى أننا ندرّس علم النفس في كلية الآداب وليس في كلية الطب كما هو الشأن في أوربا وفي كثير من أقطار العالم التي فصلت علم النفس عن الأدب، على كل هذا من باب المساعدات العلمية التي كان يمدها لطلبته في مناقشة رسائلهم الجامعية ، فضلا عن ذلك في مرة من المرات قال لي يا امحمد أنت تعرف أنني مهتم جدا بحوار الحضارات والغرب الآن أنكر علينا أننا ساهمنا مساهمات فعالة في الحضارة الإنسانية خاصة في علم الاثنوغرافيا والسوسيوغرافيا، طبعا الاثنوغرافيا هي علم من العلوم الاجتماعية وهي وصف البوادي لعاداتها وأعرافها، أما السوسيوغرافيا فهي وصف للمدن، لعاداتها، وتقاليدها، وأعرافها، فقال لي هل يا محمد تقوم بجمع هذه المادة بحكم معرفتك بالتراث ؟ قلت نعم يا أستاذ أنا بكل بساطة أجمع ما تريد في هذه المادة، وحالا، دخلت في مادة الرحلات العربية أبحث عن الأوصاف الاثنوغرافيا والسوسيوغرافيا في أمهات كتب الرحلات، فكتب كتاباً ودراسة راقية جداً في هذا الموضوع سماه: «عن الحوار الحضاري في بعد واحد الاثنوغرافيا والسوسيوغرافيا ولزوم التعريف في مدخلهما برحّالة الإسلام منذ أكثر من ألف عام»، طبعا كتب مقدمة في هذا الموضوع، وحاور الغرب على أن العالم العربي والإسلامي لديه رحالة كتبوا في هذين العلميين أي الاثنوغرافيا والسوسيوغرافيا وعلوم أخرى، ولو لم تكن لهم طبعا المناهج الحديثة التي اعتقد الغرب هو السباق لها، والتي ظهرت في القرن التاسع عشر، أما العرب فقد كتبوا في هاتين المادتين منذ أكثر من ألف سنة، على كل طبع هذا الكتاب في المغرب، وهناك كتاب آخر هو «مداخلات إسلامية حول قضايا الإنسان والمجتمع»، فهذا الكتاب عبارة عن حوار في مشكلة الإنسان، مشكلة المسلم، لماذا المسلم أصبح يهتم بالاستهلاك ومزيدا منه حتى أصبح ملغاً ولاغيا لنفسه في هذا العصر؟ فكُنَّا ثلاثة أشخاص الذين حاوروا الأستاذ في هذا النص، وصدر الكتاب في المغرب، والذين حاوروا الأستاذ في هذا الكتاب هم الأستاذ أبو دومة أستاذ مصري ومحمد العلمي الوالي وطالبة فتيحة أرسلان، وهذا الكتاب مع كامل الأسف طبع منذ أكثر من ست سنوات في المشرق وفي المغرب، في المشرق نفذ وفي المغرب مازال على قيد الحياة وكذا كتب كتاب «في حوار حول الحاضر بالماضي عبر الأندلس» وقد ساهمنا معه في هذا العمل.
ويختم الريسوني بقوله: «الواقع، سيدي محمد العلمي أن الموضوع أو الحوار عن علاقاتكم مع الدكتور رشدي فكار رحمه الله حقيقة لا تكفينا هذه الجلسة للتحدث عن المزايا الفكرية لهذا اللقاء أو لهذه المعرفة معكم مع الراحل ولذلك أعتقد أن في حوار آخر قادم بحول الله سنتعرف أكثر وللمزيد أكثر عن هذا المفكر العملاق الراحل الدكتور رشدي فكار».
لكن الفقيد الخضر الريسوني[2] وفاته  المنية في 22 ماي 7002 لكن حكم بالغ.
«إن لله وإنا إليه راجعون» صدق الله العظيم.
وسنكمل حديثنا عن رشدي فكار والأعمال التي كلفني بإنجازها وكتبها في الصومعة بمكتبة عالم الفكر.
في الحلقة القادمة إن بقي في العمر بقية وإلى اللقاء بإذن الله.



[1]     -
كإشارة بإيجاز لملامح من ترجمة هذا العملاق الدكتور رشدي فكار، فهو من كبار علماء الاجتماع وعلم النفس، مفكر إسلامي مصري ولد في الكرنك بمحافظة القنا سنة
1928، تعلم بالأزهر ومعهد الحقوق بالقاهرة، نال الدكتوراه في الفلسفة من جامعة جونيف، تتلمذ على بياجي جان piajet jean 1980 - 1896 مدة أربعة عشر سنة  وهو يعمل معه في كتابته الخاصة وقد ترك بياجي أفكارا سيكولوجية ومنطقية ونظريته الشهيرة في المعرفة التكوينية لنمو الطفل وحصل على دكتوراه الدولة في الفلسفة من صوربون، وقد تتلمذ على كروفيتش كبير مفكري الفكر الاشتراكي الماركسي، عمل مدرسا بجامعة محمد الخامس بالرباط، وبعض الجامعات العربية والأوروبية، توفي بالمغرب سنة 2000، ودفن بالقاهرة.
[2]     -
محمد الخضر الريسوني ولد بتطوان سنة
1930 خريج جامعة القرويين، رئيس قسم لبرامج ثقافية وفنية لراديو تطوان سنة 1952، كان مشهورا بتقديمه لبرنامج «صوت المغرب الحر» وفي سنة 1957 بعد استقلال المغرب عمل منتجا للبرامج الثقافية والدينية في سنة 1962 قدم برامج مسرحية تلفزيونية واستمر يعمل بجد وإخلاص مع الإذاعة والتلفزيون، صدر له كتاب «حياتي مع الإذاعة والتلفزيون» تقديم الدكتور المهدي المنجرة ومؤلفات أخرى قصصية وشعرية. ومن البرامج التي كان يقدمها «المجلة الإسلامية» الذي أتاح لنا الفرصة لإجراء حوار حول علاقاتنا بالدكتور رشدي فكار منذ مجيئه للمغرب كأستاذ جامعي بجامعة محمد الخامس ومعاهد أخرى كما أشرنا ذلك أعلاه.  

إرسال تعليق

 
لا يتحمل الموقع تحت أي ظرف مسؤولية المساهمات التي تتضمن خرقا لحقوق الملكية الأدبية أو حقوق النشر، و يحق لكل متضرر رفع الضرر عن طريق مراسلة مدير الموقع
copyright © 2013 الزمن المغربي
مجلة الزمان المغربي مستقلة تجدد كل يوم