للثقافة أخبار

شعرـ قصص

إعلانات - إعلانات

جديد دورالنشر

الثلاثاء، 7 أبريل 2015

" يا أمة ضحكت...."إدريس كثير

" يا أمة ضحكت...."إدريس كثير
        " المجرى الأنطولوجي  يعلن عن فلسفة لا علاقة لها بالاستمرارية والامتداد الأصلي ولا علاقة لها بالاسترسال و الاستكمال . لا مركز لها ولا عمق لا ثبات ولا مضمون لا وحدة و انغلاق و لا غاية منتشرة في هوامشها الناسفة لكل ثنائية متدفقة مغمورة بطفراتها وفجائيتها...   "
    لو استرسلت في هذه الكتابة (أو الخطاب ) لأيدت وزكيت دون أن أدري .. حسن الفد (الأستاذ المعطي البوردي ) في سخريته و تفكهه وهزأه  من الفيلسوف المغربي .
      اعتمدت سخريته على تمثيل وتجسيد الفيلسوف بشعر منفوش و شوارب كثة وأسمال رثه صاحب مصطلحات مدهشة لكنها فارغة من كل معنى ولغة خشبية عبارة عن " دخول وخروج " من المعنى دون قصدية  وادعاءات لا أساس لها من الصحة و ميل إلى الانتهازية و الاسترزاق دون مواربة ولا كرامة .
     هل الصورة حقا  بهذه البساطة  بله السذاجة ؟
1- في لغة الفلسفة :
      لنأخذ سيرة و تجربة عبد الصمد الكباص ( مراكش ). لماذا يستعمل الفيلسوف في كتاباته : الإيتيقا بدل الإخلاق ؟ و الميتافزيقا بدل الغيبيات ؟ و الإبستمولوجيا بدل علم العلم و الأنتربولوجيا بدل الإناسة ؟ و الهيرمنوطيقا بدل التأويل و اللوغوس بدل العقل و الميتوس بدل الأسطورة و الخرافة ؟ ....
     الجواب في غاية البساطة التي تفوق سذاجة فكاهيينا المنغلقة في ثنائية العروبي و المديني لأن الإيتيقا ليست هي الأخلاق إنما هي فلسفة الأخلاق و الميتافزيقا ليست هي الغيبيات إنما هي دراسة " الوجود من حيث هو وجود " أي في علله وأسبابه وهكذا دواليك ....
       و عليه ما معنى " المجرى الأنطولوجي " في كتابات عبد الصمد الكباص ؟
       لفهم هذا المفهوم ( وليس اللفظ ) لا بد من العودة إلى هيراقليطس  ( الفيلسوف الغامض ) والى التغير و التحول و" استحالة الاستحمام أكثر من مرة في نفس النهر ".
     و إلى نيتشه و العود الأبدي ، عودة الأحقاب و المراحل و الفترات الأنطولوجية و عودة الحياة و حبها واستمرارها و تكرارها إيتيقيا .
    والرجوع إلى دولوز وعودة المختلف لا المتشابه وتكرار المختلف النابع  من الكاووس (الفراغ )إلى الكوصموص (الامتلاء الكوني ). ....
      مثل هؤلاء الفلاسفة  يحاول عبد الصمد الكباص التفكير في البدء انطلاقا من التساؤل الليبنتزي : " لماذا هناك شيء وليس بالأحرى لا شيء ؟ "من أين جاءت الأشياء هل هي ضرورة أم صدفة ؟ ...
     الجواب على هذه التساؤلات (وليس الأسئلة ) ليس ببساطة ولا سذاجة " خرج المجمر وبلا فلسفة  ". لا بد من الوقوف على الخاصية الأنطولوجية للوجود ألا وهي الجريان . و لا بد من تحديد المجهول الأنطولوجي  ألا وهو الكاووص أو الفراغ . وبما أن الحديث يدور حول البدء أي قبل وجود اللغة فبأية لغة يمكن وصف هذه البداية ؟
   إن صعوبة الحدث هي التي تدفع إلى هذا النوع من النحت للمفاهيم و ليست الغطرسة ولا إثارة  الدهشة بالمصطلحات الرنانة .
2- في الموضوعات :
      الفلسفة ليست واقعية في موضوعاتها . ويذهب بعض الفلاسفة إلى حد تعديم موضوعها . فهي تفكر في كل شيء و في لا شيء . الفلسفة لا موضوع لها . (ألتوسير ) . 
        لنأخذ مثالا لتوضيح طبيعة موضوع الفلسفة . وليكن " موت الأميرة ديانا ". (ميشال أونفري )  .
     إذا فكرنا في الحدث جنائيا أصبح من اختصاص الشرطة  والقضاء . و إذا فكرنا فيه كمعلومة  بات من اختصاص الصحافي ووسائل الإعلام . و إذا فكرنا فيه كواقعة تاريخية ستعود إلى المؤرخ . و يمكن للحدث أن يلهم الفنان ( أغنية آلتون جون ) . أما إذا فكرنا فيه كمسؤولية أخلاقية وسياسية فسيكون ذلك من نصيب الفلسفة السياسية و الإيتيقا . وأخيرا الحادث هو حدث " موت " .. هنا يتدخل الفيلسوف الميتافزيقي .
     نحتاج إلى كل  هذه المسافة عن الواقع للتفكير فلسفيا في حدث موت الأميرة  .
    لما فكر عبد الصمد الكباص في " المجرى الأنطولوجي " و قسمه إلى مجرى مشهدي و مجرى حدثي و مجرى مرآوي ... واقترح مفاهيم من نوع " التعديم " و " التشيىء " لم يكن يلعب " لعب عيال " بل كان في حاجة إلى سرعة  الضوء للنزول إلى الأحداث كما هي في الواقع : الوجود ، الحياة ، المعيش ، الأشياء من عدمها ....
3- منطق الفلسفة : 
              وهو منهجية التفكير الفلسفي و خطة بناء استراتيجيته . لكن عادة ما يوصف منطق التفكير الفلسفي بالغموض و التناقض الخالي من كل تناغم وتوافق .
     هكذا يمكن اعتبار طريقة سقراط المسماة المايوطيقا ( التوليدية ) وكأنها سخرية عديمة الذوق و تبسيطية لا عمق فيها . كما يمكن اعتبار السفسطائية وكأنها إثبات للشيء ونقيضه دون حجاج و لا بلاغة . و اعتبار دياليكتيك هيجل وكأن الأطروحة و نقيضها لا يمكن تجاوزهما و كذا البنيوية و التأويلية و التفكيكية ....
     كل مدرسة تقترح طريقة متميزة في التفكير ..إلى حد التناقض فمثلا التاريخانية  تؤمن بالزمان و التطور والتأريخ (الدياكروني ) أما البنيوية فلا تؤمن إلا بالسانكرونية  وبالبنية في تزامنها القائم .
      هذه الاختلافات لا تحرجنا ولا تقلقنا  بل نعتبرها رحمة وراحة وحرية . حين يفكر عبد الصمد الكباص في الجسد مثلا وفي الرغبة واللذة  فهو يستلهم أفكار اسبينوزا  وحين يفكر في الوجود يستحضر كانط (الفينومان و النومان ) ويستبعد المنطق الأرسطي الثنائي القيمة  و الثالث المرفوع  ليعوضه بالمفارقة .. فبدل الصيغة إما.. وإما ( إما أبيض أو أسود ولا ثالث لهما ) هناك صيغة و...و (أبيض و أسود وأجون ).. 
      ثم تكبر التساؤلات . فالسؤال أين توجد محطة القطار ؟ يمكن الإجابة عنه أما ما الوجود؟ فلا جواب عنه إلا بسؤال آخر و يتحول السؤال إلى تساؤل ثم  إلى إشكال ثم يرتفع إلى إستشكال فإشكالية وإشكالاتية.. ( ميشال مايير ) .
       منطق الفلسفة لدى عبد الصمد الكباص لا علاقة له بالطريقة الأكاديمية الجامعية التي تغرق الموضوع الفلسفي في الإحالات و المراجع و التوصيف والمقارنات  (لا نعدم لهذه النزعة الأكاديمية أهميتها ) لكنها تبقى دوما عند عتبة تاريخ الفلسفة  أو تاريخ الأديان أو الهيرمونيطيقا ..وعبد الصمد الكباص لا يمارس التـأريخ الفلسفي و لا التأطير ولا التدريس إنما يمارس الفلسفة أي يبدع من داخل المجال الفلسفي لذا فهو لا يغرق كتاباته بالمراجع والمصادر والإحالات ولا يقارن بين الفلاسفة والموضوعات الفلسفية إنما يركز إبداعه على المفاهيم (دولوزغاتاري) ويبقى في موضوعه لا يبرحه .
       خلاصة  القول

           إن أمة لا تقدر فلاسفتها لا قيمة لها " يا أمة ضحكت من جهلها الأمم " . 

إرسال تعليق

 
لا يتحمل الموقع تحت أي ظرف مسؤولية المساهمات التي تتضمن خرقا لحقوق الملكية الأدبية أو حقوق النشر، و يحق لكل متضرر رفع الضرر عن طريق مراسلة مدير الموقع
copyright © 2013 الزمن المغربي
مجلة الزمان المغربي مستقلة تجدد كل يوم