للثقافة أخبار

شعرـ قصص

إعلانات - إعلانات

جديد دورالنشر

الأحد، 31 مايو 2015

ابن عباد يرثي شمسه بمدينة سطات إعداد : محمد زاهير

" لا أدري أأنا المتحدثُ إليكم أم غيري
لستُ أدري من قطع إحدى النخلتين ؟
ولستُ أدري من أوحى إليَّ بغرس شجرتيْ
صنوبر في حديقتي
ولستُ أدري من أنا حين أسير في الشارع وأري
زوجين وأنا وحدي
ولستُ أدري مدى انتظاري حين أركبُ السيارة
ولا يركبُ أحدٌ معي
وأجلسُ إلى قهوتي وحدي
وأشاهدُ التلفاز وحدي
ولا أجدُ أحدا يُناقشُ معي موضوعَ خطبة الجمعة
لأني صليْتُ وحدي
إخوتي
لا تطلبوا مني أن أطيل حديثي
فإني طيفُ من آثرَ الرّحيل وهو
يحترقُ تحت ظل شمسي
                        وداعا يا من أبّنتُهُ بنفسي ."


كانت هذه آخر كلمة تُتلى في  لقاء بقلعة ابن عباد بسطات ،ألقاها متأثرا مصطفى الطاهري ، الأديب والأستاذ الجامعي الذي ذاق السجن في سنوات 1973 و1979 ،والآن يكتب قصيدة وداع رفيقة عمره شميسة أحناش الإدريسي.  
القلعة الأولى ، أو ذلك الفضاء الذي وُجد بمدينة سطات منذ 1947  تحمل ُ الآن اسم  ثانوية ابن عباد والتي تخرجت منها أفواج من التلاميذ ممن هم الآن من كبار الأطر والفاعلين في مجالات الاقتصاد والرياضيات والفيزياء والأدب داخل المغرب وخارجه.
كانت  قلعة ابن عباد ، يوم الجمعة 29 مايو 2015 على موعد ، اعتُبر من قبل  صعب التحقق ، لأنه مرتبط بالتاريخ والذاكرة .
حضر المختار الغازي ومصطفى الطاهري  وشعيب حليفي وحسن بياض ونجاة ولد سويلم والمختار بومكنان وعبد السلام أبو إبراهيم ومحمد ليتيم  وهادن الصغير وعباس مومو ومحمد بوهلال  والعشرات من قدماء تلاميذ هذه المؤسسة ومن النساء والرجال في حفل تأبين أستاذة جيل كامل ، شميسة الطاهري التي وافاها الأجل المحتوم في ثاني أبريل الماضي.
شعيب حليفي الذي ترأس هذا اللقاء ، بدا متأثرا بما يحمله من حب وتقدير للفقيدة وكل أساتذته في هذه المؤسسة والحياة ، وجوه وصفها بأنها  تفيض  نورا ونكرانا للذات ..هي جزء من تاريخنا المشرق.. تاريخنا الجمعي وهويتنا التي نصارع للحفاظ عليها نقية، طاهرة قوية صامدة. أساتذة  منحونا  الحياة والخيال  والمفتاح .. منحونا هويّة  شامخة في مدينة صغيرة.. ولدت على أطراف الأسطورة  بل على حافة خيال هارب.
وقد تناوب على الكلمة  تباعا حسن بياض مدير المؤسسة  الذي أبرز دور رجال ونساء التعليم  في هذه المؤسسة وغيرها ، ودور الفقيدة  في الإشعاع العلمي أما كلمة المختار الغازي  فقد جاءت شاملة عن عراقة ثانوية ابن عباد التي هي منارة للعلم والثقافة والاجتهاد سواء من طرف تلاميذها أو أساتذتها أو الإداريين والأعوان ... وهو مدخل للحديث عن أخلاق وعلم أستاذة تركت بصمتها الجلية .
كما أجمعت كلمات نجاة ولد سويلم وفاطمة سعد الله وعبد العاطي أو تمام وعبد الله شكار ومحمد بلملاح على الفراغ الذي تركته أستاذه في حجم شميسة الطاهري بالنسبة لطلبتها وزملائها وأصدقائها .
أما المختار بومكنان ، زميلها في الدراسة والعمل فقد جاءت كلمته نصا زاوجا فيها بين اسم المؤسسة والحزن والإشراق ، الموت والحياة . ومما جاء في عتبة كلمته : أرجو أن تأذنوا لي بالتعبير عن إحساس فاجع .فليسَ سهلا عليّ أن أجد نفسي وسط جمعكم الذي تلفه ظلال الأسى والحزن ، الكل هنا مشدود إلى هول المصاب . فالفقيدة التي نؤبنها اليوم تركت ندوبا وجروحا في أعماقنا .
إن المكان الذي يحتضن بين ربوعه هذا التأبين [ثانوية المعتمد بن عباد] يكشف في جوهره عن وجهين : وجه مُشرق وآخر حزين .
الإشراق  في الوجه الأول  يرمزُ إلى الإشعاع كما يتجسد مع شاعر اشبيلية وحاكمها المعتمد بن عبّاد .أما الوجه الحزين ، فتعكسه النهاية المأساوية لهذا الشاعر الذي تحتضن بلدة أغمات رفاته .
أما كلمة  شعيب حليفي باسم أصدقاء وقدماء تلاميذ ثانوية ابن عباد فقد اجتزأها من أوراق كتبها بالمناسبة ، ومما جاء فيها :
الزمن والموت
أبريل ، شهر تتخلص فيه الأرض من أوجاعها ويتمدد مجرى النهر مستريحا ، غير ملتفت إلى ما مضى . فقط يجري باحثا عن منتهاه الذي يوزعه في طريقه الطويل بين أنهار جوفية وأبخرة تتهادى في غنج  ومحيط ينتظر التهام ما تبقى.
نفس حكاية الزمن الذي هو خط مستقيم ممتد إلى ما لا نهاية ، يوزع علينا ما شاء من أيام وشهور وسنوات ، ثم يسلبها بعد التعود ويلتهم ما راكمناه.
حينما تهبط الأمطار على الشاوية يتغير مذاق الزمن  . وتحتفي شمسنا .
***
ماتت شميسة الطاهري وقبلها بقليل خالد بن حمري وقبلهما المعطي رقيب والحاج محمد بن سينا ، وقبلهم سي جلولي  وسي الزيتوني،والأستاذة أسرو  وبعدهما  سعيد سمعلي ، ثم العربي الذهبي ومحمد المودن  ونشيط ولائحة من كتاب الأحبة.
دائما.. كانت مدينة سطات قطبا للدهشة والحياة .
شمس سطات وغروبها مرتبطان بالحياة والموت والكرامة . الآن أفهم أن شموس مدينتي هذه في الأرض أضاءت حياتنا ومسيرتنا وهويتنا الصغيرة .
و الآن بعدما شرعوا في الغروب القدري   شرع الظلام يضيق علينا الخناق.
هل نرثي الشمس التي لم تكل يوما ، منذ الأزل البعيد ، تمنحنا دفء الوهم بالحياة والخلود ؟ 
الشمس وهي تطلع كل صباح .. تضيء عالمنا وتُطهره تطهيرا في يوم كامل ، ثم تغرب لتعود في اليوم الموالي دون كلل .
أم شميسة الطاهري ، أستاذة جيل  لم يكن لديه ما يخسره ، يقف على حافّتيْ  قارب رماه القدر بترتيب معلوم .
الشمس ، شمس أبريل ومايو التي فقدت شمسها في الأرض  فباتت يتيمة .
أيتها الشمس التي في السماء .. ستغربين لتعودي غدا بعد توديعك البسطاء والودعاء وكل الطيبين الذين يندهشون لكل للحظة  .. لكن شميسة التي في الأرض عادت إلى ربنا الواحد الأحد ، الخالق الصمد ، لم يلد ولم يولد . عادت وتركت أبنائها وحفدتها ، نحن ، بلا شمس تدفئ ما تبقى من أحلامنا ، وتطهر ما علق بنا من آثام في صيرورة صراعنا العبثي في هذا العالم. 
أيتها الشمس التي في السماء .كانت شمسنا امرأةٌ فاضلةُ مثل كل النساء النبيلات بهدوئها الذي جعل هالة من الوقار لامرأة شمالية تفرش العلم أمامنا بقدرتها بقلبها الكبير وحكمتها الرصينة وتلك الهالة من الاحترام وقلبها الذي يعكس ابتسامتها الدائمة .بنورها  الذي كان لوحة تشكيلية  بها شمس تذوب في أبنائها وتتوزع  بالقسطاس .
بكل هذه الأشياء، طعّمتنا ومنحتنا الضوء نحو طريق الحرية والتحرر من عزلتنا .
كان عليكِ ، يا شميسة وأنتِ الآن بين في رحاب الرحمان ، أن تأخذي من حياتنا وزمننا .كان عليك أن تكوني أبدية بيننا ... فملائكة الأرض لا تموت .
سيذكرنا غروب الشمس بشمسين ، وفي الغد نُمني النفس بانتظارهما معا .. وأتمنى لو تطلع شميسة بيننا من جديد فنروي لها أننا لم ننس أبدا كل لحظاتها معنا .

إرسال تعليق

 
لا يتحمل الموقع تحت أي ظرف مسؤولية المساهمات التي تتضمن خرقا لحقوق الملكية الأدبية أو حقوق النشر، و يحق لكل متضرر رفع الضرر عن طريق مراسلة مدير الموقع
copyright © 2013 الزمن المغربي
مجلة الزمان المغربي مستقلة تجدد كل يوم