لست من المُنبهرين بالجسد، على شاكلة ما رأته
عيْنيّ من لقطات عارية لجسد جينيفر لوبيز في القناة الثانية أو على صفحات الفايسبوك
والانترنيت، لكوني أقرب إلى الإنسان المحافظ أولا، رغم ما أدَّعيه أحيانا من إفراط
في الحداثة، وثانيا لأنني كنت أتتبع أطوار مهرجان فاس للموسيقى الرّوحية الذي غطّى
عليه عُري وإيحاءات"موازين" الرباط .
لكن
دَعْنا نرى الحَدَث من زاوية أخرى، ونتساءل ببراءة بعيدا عن سوداويّة السياسيّين
ونواياهم السّيئة:
هل تكون حكومة بنكيران قد حسبتها جيدا في
غفلة من الجميع، ونحن على بُعد أمتار قليلة فقط من حمّى الانتخابات بجميع أشكالها:
اللجن الثنائية والانتخابات الجماعية الترابية والجهوية في المغرب، وغطّت على عُري
سياسة حكومة أفقرت المواطن المغربي البسيط أكثر من أي حكومة سابقة، بتعرّي جينيفر
في"موازين" الرباط ؟.
هل
تكون حكومة عبد الإله بنكيران "الإسلامية" الفقيرة إلى الله سياسيّا، قد
ربحت وهي في أرذل عمرها السياسي شيئا من الرِّهان الصّعب من خلال مهرجان "موازين"،
حتى وإن لم تربحه بشكل كامل مادُمنا في بداية المشوار، فإنها حتما ستربح الكثير
منه، خصوصا وهي تظهر للعالم أجمع قبل المواطن المغربي المنشغل بجيبه الفارغ أكثر، أنها
وبالرغم من كونها حكومة إسلامية ذات مرجعية دينية بالأساس، فإنها مع ذلك حكومة منفتحة
أكثر وتقبل بثقافة الآخر مهما اشتدت حدّة اختلافها، عكس ما يتصوره الغرب المسيحي
الحذر من الحركات الإسلامويّة وموجة الإسلاموفوبيا الجديدة التي ارتفعت حرارتها
بشكل مخيف في العالم المسيحي على الخصوص، من أستراليا والصين واليابان شرقا إلى
أوروبا وأمريكا وكندا شرقا، عكس كل الجبهات السياسة الأخرى التي تدعي الحداثة
والانفتاح، بما فيها الأحزاب التقدمية واليسارية والمنفتحة وحتى الأكثر ليبرالية.
استضافة جينيفر لوبيز، أو(جي. لو) كما يحلو
للصحافيين والمعجبين بها أن يلقبونها، هو مكسب سياسي لحكومة بنكيران بالدرجة
الأولى، ليس لأنهم قبلوا بمرارة استضافة المغنية الأكثر شهرة في أمريكا والعالم
وأيضا ممثلة(30 فيلما) ومنتجة تلفزيونية وتسجيلية وراقصة وأيضا مصممة أزياء، لكنه
حدث وإن كان" أشد مَضاضَة " سيمكنها
من كسب ثقة "ماما أمريكا" سيدة العالم (شئنا أم أبينا)، وأيضا (ربما) ربح
المزيد من الأصوات في الانتخابات المقبلة، إذ أن الجمهور الغفير الذي حضر إلى
حفلتها الاستعراضية (أكثر من 160 ألف متفرج حسب المتتبعين) لم يأت من المريخ بل منَّا
ويسكن بيننا وفينَا، ونحن إذ نلوم حكومة بنكيران على حضور جينيفر لوبيز بلباسها الذي
رأيناه واستعراضها الإيحائي المثير في مهرجان "موازين"، فإننا لا نلوم
في الحقيقة سوى أنفسنا، من خلال حضور آلاف من الأفراد والعائلات المغربية، فيها
أصحابنا وإخواننا وأخواتنا وجيراننا ومعارفنا، ومواطنون نتقاسم معهم حبّ وهويّة
هذا البلد.
نحن تعوّدنا كمغاربة أن نحضر أو نتفرج على
حفلات العُري، وأحيانا نستمتع ونتلذّذ في صمت، ثم بعد ذلك وقد استرحنا من تعب الضّجيج،
نتفرَّغ للشَّجب والإنكار والرّفض والاستنكار. جينيفر لوبيز جاءت أكيد من الولايات
المتحدة بثقافة مختلفة تماماً عن ثقافتنا، ثقافة تعوّدنا عليها في أشرطتها
وحفلاتها وكليبّاتها الإباحيّة، ثقافة تؤمن ب "العُري"
و"الإباحية" وهي ليست بجديدة في عالمها ، ثقافة تعطي الأولوية للإثارة
بكل أشكالها، وهي إذْ تستعرض فتنة جسدها البضّ لم تكن تقصد ذلك طبعا (مهما
اختلفنا)، لأن عرض الرباط لم يختلف كثيرا عن العروض التي تقدمها في حفلاتها عبر
العالم، وبالتالي فهي لم تفاجئ أحدا ممن حضر لحفلتها أو شاهده في التلفاز إلا
الغافلين في نوم العسل، لأن الإنسان الأمريكي خصوصًا والغربي عمومًا لا يعير
اهتماما للجسد كما نحن، بقدر اهتمامه بما يقدّمه من عروض فنية، هي التي نعتبرها
نحن شذوذًا وفتنةً وغوايةً ومنكرًا.
الغرب أنهكه الجسد ولم يعد يُغريه بما فيه
الكفاية، ولشدة ما ملّ من العُرْي، أصبح ميّالا إلى الحِشْمَة ، وإن أظهر عكس ذلك،
خلافا لما قد نعتقد نحن. لكن من تتبع جينيفر على المرئي المباشر في
"موازين" الرباط أو المنقول عبر التلفاز، لم يلتفتوا إلى شيء اسمه فن الرقص،
بقدر ما انتبهوا بحواسهم وكاميراتهم وأعينهم إلى الجسد بكل عوراته، بعيدا عن
التواءاته ومهاراته الفنية.
والأكيد أن المواطن المغربي تتبّع أخبار"جي.لو"
التي أشعلت "العافية" في منصة السويسي بالرباط، وأشعلت
"عافية" أخرى في شبكة التواصل الاجتماعي من خلال آراء مختلفة إلى حدّ
التطاحن أحيانا، وأغضبت (بعض) رواد الانترنيت بشكل عام حتى لا نعمّم، لأن الآلاف
الذين حضروا وآلاف أخر ممن لم تستطع الحضور لسبب أو لآخر، لن يغضبهم ما رأوا
بالمباشر أو الغير المباشر، وهم على كل حال أقلية صاخبة و قد تكون أغلبية لكنها صامتة.
لكن الأكيد المؤكد الأكيد هو أن الأسابيع
المتبقية من شهر شعبان في انتظار شهر رمضان المبارك ستشعل"عافية" من نوع
آخر في جيوب المغاربة وتفكيرهم، وستنسيهم صخب منصة السويسي وما رأوه من صور خليعة
أو(غير ذلك) لجينيفر، وسيصبح لوم حكومة عبد الإله بنكيران على مسائل مختلفة وأشدُّ
ألمًا وضراوة بالمواطن المغربي وجيوبه المثقلة بأشياء أخرى، أكثر جرحًا وإيلامًا
من صور جسد جينيفر لوبيز العاري أو عُريها و تعرّيها لا فرق.
إرسال تعليق