في حوار مع: نوال السعداوي
كاتبةٌ وأديبةٌ عالمية وطبيبةٌ نفسيةٌ مصرية، مدافعةٌ
عن الحرية والعدالة والكرامة للنساء والرجال والأطفال. تخرجت من كلية الطب جامعة القاهرة
وعملت طبيبة امتيازٍ بالقصر العيني ومستشفيات أخرى في القاهرة والقرى، ثم فُصلت من
مناصبها بسبب آرائها وكتاباتها. تعرضت للسجن عام 1981 تحت حكم السادات، كما تعرضت للنفي
تحت حكم مبارك نتيجةً لآرائها ومؤلفاتها، وتم رفع قضايا ضدها من قِبل أصوليين متطرفين
(خمسة قضايا حسبة) وتهمة “ازدراء الأديان”، ووُضع اسمها على قائمة الموت للجماعات الإسلامية
المتطرفة حيث هُددت بالقتل. رفضت محكمة القضاء الإداري إسقاط الجنسية المصرية عنها
بسبب قيمتها الأدبية والعلمية العالية وأفكارها الإنسانية المدافعة عن حقوق المرأة.
أسست جمعية تضامن المرأة العربية العام 1982 وهي جمعيةٌ تسعى إلى تحرير العقل والمرأة
في العالم العربي، تم إغلاقها دون سبب ودون تحقيق بقرارٍ حكوميٍّ غير قانوني عام
1991، كما تم مصادرة الاتحاد النسائي المصري الذي أنشأته عام 2000 وأعادت إنشاءه عام
2004 ثم أعادت إنشاءه مرةً أخرى أيضاً في ميدان التحرير في شباط فبراير 2011، صدر لها
خمسون كتابًا أُعيد نشرهم عدة مرات، وتُرجمت كتاباتها إلى خمسةٍ وثلاثين لغة ًعلى الأقل.
حازت على عدة جوائز عالمية أدبية وعلمية، وكان آخرها جائزة ستيغ داغيرمان (السويد
2012) وهي جائزةٌ تمنح إلى قادة الفكر الحر في العالم ومناضلي حرية التعبير.
أهلاً وسهلاً بضيفتنا الكريمة وشكرًا جزيلًا على
قبولكِ التحدث إلى مجلتنا.
نوال السعداوي
س1: كيف عرفتِ بوجود مجلة الملحدين العرب، وهل تردّدتِ
في إجراء المقابلة؟
لم أعرف بوجود هذه المجلة إلا منكم عبر البريد الإلكتروني
ولا أتردّد في إجراء الحوار مع المؤمنين وغير المؤمنين، أو ما يسمون ملحدين، وغيرهم
من كل أصحاب الأفكار الجديدة من مختلف الفلسفات والاتجاهات، لأن الحوار والاختلاف والتجديد
وحرية التعبير هو الطريق إلى مستقبلٍ أفضل يقوم على الإبداع الفكري.
س2: هل لكِ أيّ تعليقٍ أو إضافةٍ على مقدمتنا، وهل
يزعجكِ تبلور ما ورد فيها حول معاناتكِ ونضالكِ، أم أنكِ تعتبرينها جزءًا من الإنجازات
التي تستحق أن يُفخر بها؟
أفضّل أن أُقدّم إلى القراء باعتباري كاتبةٌ وروائيةٌ
وطبيبةٌ نفسية، وأن تُذكر بعض عنوانين مؤلفاتي الأدبية والعلمية والاجتماعية حتى يتمكن
القراء من الحصول عليها إذ أنّ هناك تعتيمٌ كبيرٌ على أعمالي وتشويهٌ لها، أما التحديات
والصعوبات التي واجهتها في حياتي العامة والخاصة فهي ثمنٌ بسيطٌ مقابل حريتي ككاتبة
وكرامتي كإنسانة.
س3: كيف يمكن وصف نوال السعداوي الطفلة في الريف
المصري وما هو مدى تعرضها لعادات المجتمع والدين بشكلٍ خاص؟
مثل أغلب الأطفال الأصحاء كنت طفلةً كثيرة التساؤل
عما أراه من كذبٍ واضحٍ وتناقضاتٍ صارخةٍ في البيت والمدرسة والمجتمع والدين والأخلاق،
التفرقة بين البنات والأولاد كانت ضد المنطق والعدل، واعتبار ذكاء البنت عيبًا أو عاهةً
أو شذوذًا عن الطبيعة ومحاولة إعداد البنت وتطويعها لخدمة الأسرة وزوجها وأطفالها،
وغير ذلك مما ترفضه عقول الأطفال الأصحاء البنات والأولاد.
س4: عندما كنتِ في الابتدائية حاول أهلكِ تزويجكِ
برجلٍ وصفتيه في مذكراتكِ بأنه ذو وجهٍ غريبٍ مخيف. ما هو أثر هذه التجربة عليك؟
هذه التجربة السلبية وغيرها من التجارب المؤلمة
ساعدتني على التمرد والثورة ضد الزواج وضد كل أشكال الظلم والتفرقة بين الناس، فهي
تجربةٌ إيجابيةٌ رغم قبحها، ولا شيء يساعد على التحدي والإبداع والتقدم مثل هذه التجارب
السيئة.
س5: كيف تصفين حياتكِ الجامعية، وخصوصًا أن دراسة
الطب مهنةٌ حساسةٌ جدًا بالتوازي مع فكركِ الحر المغاير لأعراف المجتمع في تلك الفترة؛
كيف كانت صعوبة تلك الفترة وثمارها عليكِ؟
دراستي للطب ساعدتني على فهم الجسد والنفس، وكشف
التناقضات في علوم الطب وقوانين المهن الحرة القائمة على التجارة والغش ومنها مهنة
الطب، وكان ضروريًا أن أحاول تغيير قانون مهنة الطب من خلال نقابة الأطباء، وفعلاً
نجحت مع بعض زملائي الأطباء المتقدمين خلال أعوام 1966إلى 1969 أن ندعو لفكرة الطب
الاشتراكي الوقائي والعلاجي، ونصدر قانونًا جديدًا للمهنة الطبية يحترم حقوق المرضى
والمريضات، ولا يقوم على الربح والعيادات الطبية الخاصة، لكن ما إن جاء السادات حاكمًا
لمصر عام 1970 حتى أُجهض هذا العمل الاشتراكي من أجل بدء الخصخصة الرأسمالية وزياة
أرباح القطاع الخاص بما فيه المستشفيات الخاصة التي يملكها أثرياء الأطباء، وتدخلَ
موظفو السادات في انتخابات نقابة الأطباء وتم إقصاء كل العناصر الشابة الاشتراكية ومنهم
أنا، وتم عزلي عن منصبي في وزارة الصحة عام 1972، كما تمت مصادرة كتبي ومنعي من النشر
في مصر فاتجهت إلى دور النشر في لبنان، واستمر النضال ضد سياسة السادات الذي فتح أبواب
مصر للقوى الاستعمارية والتيارات الدينية الأصولية، الى أن وضعني السادات في السجن
في 6 أيلول سبتمبر 1981، ثم تم اغتياله، ولم يكن مبارك إلا امتدادًا للسادات، ولهذا
استمر الصراع والنضال حتى ثورة 25 كانون الثاني يناير 2011 وسقوط مبارك في 11 شباط
فبراير 2011، ثم سقوط مرسي والأخوان المسلمين بعد ثورة 30 حزيران يونيو 2013، واستمرار
الصراع والنضال حتى اليوم لتحقيق أهداف الثورة.
س6: متى كانت اللحظة التي شعرتِ بها بتردّي وضع
الإنسان العربي، وما الذي ألهمكِ التوجه للكفاح من أجل قضايا الإنسان العربي، والمرأة
والطفل على وجه التحديد.
منذ طفولتي كنت أصارع ضد أي ظلم، وكنت أشعر في جميع
مراحل عمري حتى اليوم بتردي وضع الإنسان والإنسانة والطفلة المصرية والعربية، وقد ألهمتني
أمي وجدتي وأبي للكفاح لتحرير نفسي وغيري من البنات والأولاد، وكنت أزداد وعيًا ومعرفةً
بقضايا النساء كلما كبرت وخبرت الحياة العامة والخاصة، أما مؤسسة الزواج فقد كشفت لي
التجارب السياسية والشخصية عن أنها مؤسسةٌ تجاريةٌ غير إنسانيةٍ قائمةٌ على الازدواجية
الأخلاقية والشرعية غير العادلة.
س7: كيف تقيّمين وضع المرأة العربية والحركات الأنثوية
على الساحة بشكلٍ عام، وما هو مدى نجاحها، وما هو دور الرجل في هذه القضية؟
لعبت الحكومات المصرية والعربية دورًا في ضرب الحركة
النسائية والشبابية والعمالية والفلاحية وغيرها من الحركات الشعبية المناضلة ضد النظام
الطبقي الأبوي العنصري الذي يتاجر بالدين ويستخدمه لفرض الطاعة والخضوع على النساء
والفقراء، وكم من منظمةٍ أنشأتها مع زميلاتي، بجانب جمعية تضامن المرأة العربية، ومنها
الاتحاد النسائي المصري، الذي صادرته سوزان مبارك أكثر من مرة، لتنشئ المجلس القومي
للمرأة تحت سيطرتها مع وزيرة الشؤون الاجتماعية وموظفات الحكومة.
بسبب القمع وسطوة الحكومة تم حل هذه المنظمات النسائية
الشعبية بقرارٍ حكوميٍّ غير قانوني، وإحلال المنظمات الحكومية بدلًا منها، والتي يسمونها
منظمات غير حكومية، أو منظمات مجتمع مدني، وكلها تتلقى الأوامر من الحكومة.
بالطبع لعبت بعض هذه المنظمات دورًا في التعريف
والتنبيه لبعض قضايا النساء إلا أنّ تأثيرها صغير بسبب خضوعها للحكومات، كذلك دور الرجل
كان صغيرًا فيما يخص قضية المرأة بحكم مصالحه الخاصة داخل النظام الأبوي، يمكن لي القول
إن الكتب المقدمة عن المرأة (ومنها كتبي) قد لعبت دورًا أكبر في رفع الوعي العام للنساء
والرجال ضد النظام الطبقي الأبوي، والتشجيع على التمرد والثورة.
س8: تثير حركة فيمين Femen الجدل حول العالم،
وهي حركةٌ أنثويةٌ تدعو إلى الدفاع عن حقوق المرأة “بالصدور العارية” – على حدّ تعبير
عددٍ من الصحف العالمية – ما هو موقفكِ من هذه الحركة، وما هي توقعاتكِ لها في تحقيق
نجاحها؟
الصدور العارية يمكن أن تثير الرجال لكنها لا تحرر
النساء من النظام الطبقي الأبوي. تحرير النساء والرجال يحتاج إلى ثورةٍ فكريةٍ شاملةٍ
للعقل والجسم والمجتمع، تكشف فساد الفكر والقيم والقوانين السائدة الموروثة منذ العبودية.
س9: ربما يعلم الجميع أن أساس نجاح الحركة الأنثوية
– إلى حد ّما – في الولايات المتحدة الأمريكية هو ارتباطها بمسائل تهم الجميع وتقبلها
كل الفئات الاجتماعية بغضّ النظر عن الجنس، وهو ما أدّى إلى تبنّيها من قِبَل الشارع،
وحصولها على نوعٍ من التمكين والقبول في الشارع حتى أصبح بإمكانها طرح القضايا الخاصة
بالمرأة. فهل يمكن تطبيق التجربة الأمريكية في العالم العربي وما هي التحديات والمعوقات
التي قد تواجهها؟
الحركة الأمريكية النسائية ضُربت سياسيًا وفكريًا
مثل الحركات الاشتراكية وتم سيطرة الرأسمالية الشرسة والأبوية والعنصرية عليها، والعودة
إلى تشجيع التيارات الأصولية المسيحية واليهودية والإسلامية، لكنّ الحركات الشعبية
الثورية الأمريكية ومنها الحركة النسائية تتجمع من جديد، وتضغط على الحكومة مع الحركات
الاشتراكية، وتردّ حكومة أوباما بالقمع البوليسي كما حدث لحركة (احتلوا وول ستريت)،
ويمكن للحركات النسائية والاشتراكية العربية أن تتعاون وتتبادل الخبرات مع مثل هذه
التيارات التقدمية في العالم وليس أمريكا فقط.
س10: ذكرتِ في كتابكِ (ملك وامرأة وإله) أنّ “التربية
فشلت في بيوتنا في خلق الضمير الحي، وأنّ تميز الإنسان الراقي يكون بالقدرة على تغليب
المسؤولية الفردية والجماعية على شهوة الأكل والجنس والتسلط، “وكما نعرف جميعًا أن
الضمير الحي هو أساس إحقاق الحقوق، فما هو رأيك بالأحكام الدينية ومناهجها والتي يعتبرها
غالبية العرب المنهج التربوي في تحقيق حقوق الإنسان بشكلٍ عام والمرأة والطفل والأقليات
بشكلٍ خاص؟
كتبتُ كثيرًا عن أن القيم الإنسانية ومنها العدل
والأخلاق الراقية والضمير الحي والإحساس بالمسؤولية الفردية والجماعية تنبع من التربية
والسلوك اليومي في البيت والمدرسة والشارع ولا علاقة لها بالأديان والمذاهب، بدليل
أن أغلب الكهنة في التاريخ ورجال الأديان والقساوسة والمشايخ، لم يكن سلوكهم يدعو للفخر،
بل اقترفوا أبشع أنواع الفسق والقهر ضد النساء والفقراء تحت اسم الدين. بعد دراستي
المتعمقة للأديان أدركتُ أن أغلب تعاليمها وقيمها تقوم على الازدواجية الأخلاقية، والمبدأ
الأول في علم الأخلاق هو أن يكون لها مقياسٌ أو مكيالٌ واحد.
س11: الختان، والذي يُعرّف طبيًا على أنه تشويه
الأعضاء التناسلية للأطفال: حدثينا عن عملك كطبيبة في الريف المصري وعن حربكِ ضد الختان
السائد في مجتمعاتنا العربية، وكيف تمكنتِ من منع ختان الإناث في مصر؟
هذه قصةٌ طويلةٌ يمكنكم الحصول عليها من كتبي ومقالاتي
المتعددة، وباختصار لا يمكن لإنسانٍ أو إنسانةٍ لديها عقل أن تقتنع بأن النظافة أو
الصحة أو العفة تقتضي قطع أجزاء من أجسام الأطفال الذكور أو الإناث، والأسهل والأجدى
والأصح هو تعليم الأطفال النظافة والصحة والعفة والمسؤولية الأخلاقية، وقد صدر قانون
في مصر عام 2008 بمنع ختان الإناث إلا أنّ هذا القانون لا ينفّذ، كما أنّ ختان الذكور
مباحٌ قانونيًا حتى اليوم.
س12: في ظل التجربة القاسية التي عانيتِ منها في
السجن نقتبس من كتابكِ (مذكراتي في سجن النساء) قولكِ “لا يموت الإنسان في السجن من
الجوع أو من الحر أو البرد أو الضرب أو الأمراض أو الحشرات. لكنه قد يموت من الانتظار؛
الانتظار يحوّل الزمن إلى اللا زمن، والشيء إلى اللاشيء، والمعنى إلى اللا معنى.” هل
لكِ أن تحدثينا عن تأثير هذه التجربة عليكِ بعد خروجكِ من السجن؟
تجربة السجن كانت رغم سلبيتها مفيدةً لي، فقد رأيت
الوجه الآخر للنظام الحاكم الذي كنت أحاربه منذ الطفولة وتأكد لي ضرورة مواصلة الكفاح
لإسقاط هذا النظام الطبقي الأبوي العنصري المزدوج الوجه.
س13: يصنفكِ الموقع العالمي ويكيبيديا في مقالةٍ
بعنوان “List of
feminists،” والتي تستعرض قادة الحركات الأنثوية على مدى التاريخ، على أنك مناصرةٌ
“إسلامية” للمرأة وقضاياها “Muslim feminist.” كما يثير فضول متابعيكِ
وجمهوركِ مسألة معتقداتكِ الدينية، ما هو مدى اتفاقك مع هذا التصنيف، وهل لكِ أن تحدثينا
عن معتقداتكِ الدينية؟
لم أطّلع على هذا الموقع ولا تهمّني التصنيفات التي
كثيرًا ما تخالف الحقيقة، ومن يريد معرفتي فليقرأ كتبي ومقالاتي، وقد درستُ تاريخ نشوء
الآلهة والأديان الأرضية والسماوية، وفي مصر القديمة كان هناك آلهة إناث وذكور، ولي
مسرحيةٌ بعنوان (ازيس)، تحكي الصراع بين الآلهة في مصر القديمة، وانهزام الآلهة الأنثى
واختفاؤها من التاريخ الطبقي الأبوي، الذي لم يبق فيه (منذ اليهودية) إلا إله ذكر واحد
للسماء.
س14: يطالب ناشطون ملحدون في مصر حاليًا بوضع كلمة
“ملحد” في خانة الديانة في البطاقة الشخصية مُعللين ذلك بأنه يُكسبهم حقوق المواطنة
بشكلٍ رسمي كفئةٍ مجتمعية، فيما يطالب آخرون بإلغاء خانة الديانة في البطاقة الشخصية،
ما هو الرأي الصحيح والذي تفضلينه من وجهة نظرك؟
إلغاء خانة الديانة بأكملها ضرورةٌ لبناء مستقبلٍ
أفضل ليس فيه حروب وفتن طائفية.
س15: يلفت الأنظار مصطلح “قائمة الموتى” الذي أشرتِ
إليه في كتابكِ، (الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة) والذي مُنع من النشر في مصر.
وتتمحور الفكرة حول نظرة الأصوليين والشموليين إلى “الآخر” وتهديد حياة أصحاب الفكر
المخالف، ونحن كملحدين عرب لربما نكون على رأس القائمة. ما هو أصل ذلك العنف والإقصاء
إذا كانت الأديان تدّعي أنها أُرسلت رحمةً وخلاصًا للبشر؟
الأديان لم تكن رحمةً وخلاصًا للبشر إلا نظريًا
ولغوياً فقط، ويزخر تاريخ جميع الأديان عمليًا وواقعيًا بالدماء والحروب والتعصب وقتل
الآخرين الذين لهم دينٌ آخر أو إلهٌ أو نبيٌّ آخر، تعاليم الكتب الدينية كلها تطلق
اسم الكفار الفاسدين لكل من لا يؤمن بها، ولن تخلو بلادنا من الفتن والدماء إن لم نقم
بمراجعةٍ فكريةٍ شجاعةٍ لهذه الأديان وتحريرها من التعصب الطبقي الأبوي والنظرة الأحادية
الأنانية، وكراهيتها للعلم والمعرفة والنساء، ألا يتساءل أي عاقلٍ لماذا تم تأثيم المعرفة
وحوّاء في هذه الأديان؟
س16: تعرضتِ للتهجم والتجريح من المعارضين لفكركِ،
وقد تعدّى الأمر ذلك، من بعض الأصوليين، إلى محاولة إقصائكِ وتحليل دمك والتحريض على
قتلك والتهديد به، وقد حصل ذلك مرارًا وتكرارًا. كيف تكون ردة فعلكِ تجاه هذه التصرفات؟
أنا تحررت من الخوف من الموت، ضمن مخاوف أخرى نتربى
عليها منذ الولادة، إنّ الخوف من الموت هو السبب وراء موت البشر قبل أن يدركهم الموت،
إنهم يحاولون إلغاء حقيقة الموت بإلغاء عقولهم وعدم الاعتراف بموتهم، أو تصورهم أنهم
سيعيشون إلى الأبد بعد موتهم، وبالتالي يموتون عقليًا قبل أن يموتوا جسديًا، تناقضٌ
خطيرٌ يعيشه أغلب الناس خوفًا من الحقيقة.
س17: لعل قارئنا العزير ينتظر هذا السؤال منذ بدء
المقابلة؛ شهيد الكلمة فرج فودة والذي يصفه البعض بأسطورة العلمانية في مصر، ماذا يعني
لكِ هذا الاسم، وكيف كانت العلاقة بينكما؟
كان فرج فودة مفكرًا وكاتبًا متقدمًا، وكان يحضر
بعض الندوات الثقافية في جمعية تضامن المرأة العربية، لكني لا أستخدم لقب ” أسطورة
” لأي شخص، وكنت أختلف مع فرج فودة سياسيًا واقتصاديًا وفكريًا، وأعتقد أن نقد الدين
أو الإلحاد ليس هدفًا بحدّ ذاته، بل هدفي الأساسي هو تغيير النظام السياسي الاقتصادي
الاجتماعي الأخلاقي القائم على الظلم الطبقي والسلطة المطلقة للذكور في الدولة والأسرة
والعالم كله.
س18: هل نترقب أيّة أعمالٍ أو نشاطاتٍ جديدةٍ لنوال
السعداوي في المستقبل القريب؟
لي روايةٌ ستصدر في بيروت الشهر القادم (عن دار
المطبوعات) بعنوان ” إنه الدّم ” من وحي الثورات المصرية الأخيرة.
س19: ما هي رسالتكِ للمنظمات أو الأفراد المناضلين
لأجل حقوق الإنسان والمرأة كركيزةٍ أساسيةٍ فيها، وما هي أهم النصائح لتحقيق الأهداف
المنشودة؟
لا أحب إعطاء النصائح إلا أني أقول للمرأة (والرجل)
لا تسمعوا النصائح، وتعلّموا من تجاربكم في الحياة العامة والخاصة.
س20: ما هي الرسالة التي تودّين توجيهها لجمهور
المجلة، من الملحدين وغير الملحدين؟
لًا لا أميل إلى تصنيف الناس ملحدين أو مؤمنين،
لأنّ ذلك يحبسهم داخل بوتقة الفكر الديني، إيجابًا أو سلبًا، اعترافًا أو إنكارًا،
لماذا لا يكون الدين أو نقد الأديان جزءٌ من رسالتكم، وليس الرسالة كلها؟ وإن كانت
كلمة ” الإلحاد ” ترعب الكثيرين.
ومن المهم رفع الحجاب عنها والتحدث عنها بوضوحٍ
وشجاعة، وفي رأيي أنّ الإيمان والإلحاد وجهان لعملةٍ واحدةٍ مثل الإله والشيطان والحياة
والموت.
نوال السعداوي، القاهرة 24 تشرين الأول أكتوبر
2013
إرسال تعليق