للثقافة أخبار

شعرـ قصص

إعلانات - إعلانات

جديد دورالنشر

الأحد، 31 مايو 2015

حوار مع الشاعر أدونيس أنجز الحوار علي الزين

أدونيس: فاجئتني حياتي كثيراً.. وها هي تشرف تمضي لأبعد مما توقعت.. سارت أمامي في شكل نهرٍ.. أتنصت أسمع صوتاً يجيء من الماء.. قال السفينة مرت تأخرت خذ موعداً آخر وخذ مقعداً وانتظر.. انتظر ربما بعد وقت قصيرٍ تمر السفينة.. هذه السفينة أو ربما تمر سواها.. أتنصت لا صوت.. ما قيل لي لا أراه ما أرى لا يقال.. وهذه حياتي تجري كنهر وجسمي لا ينتظر.. انحدر أيها النهر.. خذني في مائك المنحدر..
أحمد علي الزين: ويأخذنا علي في ماءه يصعد بنا عالياً إلى النبع حيث أبجدية الماء، غيم وبستان وصبي معثر بتراب الحقل يبني بيتاً غامضاً، يرفع سقفه بالألف ويحني الحاء حصاناً يمتطيه نحو معرة النعمان، حيث المعري كتاب وعقل وسؤال ورؤيا، أو يغرّب والساحل السوري نداءٌ غاوٍ للمضي بعيداً في الكتاب أو للسفر إلى حيث يبتعد الوصول، ويطيب الترحال ولو في الخيال إلى الكوفة حيث يترجل المتنبي عائداً من مصر ليستريح من المديح والهجاء في بستان النخيل على قلقٍ وريح علي، ويهب النسيم مشبعاً بغناء وعطر ويصعد في البال حزن غريب، هي الرغبة ربما هي الرغبة الجامحة في تغيير المصير وهدم الجدار، هي الرغبة في التمرد في الجريان كالنهر أو في التجديف بعكس التيار، في الصعود نحو القمة العالية ليوقد النار للرعاة والليل.
ويأخذنا علي يأخذنا إلى المطارح الأولى إلى الولادات الأولى إلى بيت عتيق في القرية، هو الحنين إلى طيف أنثوي إلى شيخ جليل يعلمه فك الحرف إلى دمشق إلى بيروت حيث الانبثاق ومخاضات وولادات وجنون وحب وشعر لا يمكن وصفه كما ينبغي أو كما تراه، فهو متعدد يسكن غابة الشعر تلمحه بين الظلال يعشب من الكتب القديمة النوافل، ويعثر على الذهب يلمعه ثم يذهب إلى ماءه ويواصل التدفق. يصعد إلى جبله ويوقد النار ويتأمل في هذا الليل العربي الطويل. أدونيس كلما هب نسيم يذكره وصلاً فيضيء على حافة الليل قصيدة ويرمي عصا الشك في كل يقين.
أحمد علي الزين: يعني من فترة خلينا نقول في أواخر شهر حزيران على ما أظن كُرمت في بيروت بالجامعة الأميركية، ومنحوك شهادة تقدير الدكتوراه الفخرية، طبعاً أنت رديت التحية للذين كرموك ورديت التحية الأكبر لبيروت المدينة العالية كما سميتها، وهيك فاضت العينين قليلاً بالدمع وبالشجن، شو بواعث يعني هالغصة هالحزن هيك؟
أدونيس: هلأ سأحاول أن أجيب كما أظن، أظن هناك مناطق في النفس ومناطق أحياناً في الفكر يتعذر التعبير عنها باللغة أو بالكلام، فيعبر عنها بمثل هذه الغصات، ولا أجد تفسيراً غير هذا في تلك اللحظة.
أحمد علي الزين: يمكن هو إعلان عن نوع من الحب لهالمدينة اللي أنت حبيتها كثير وحبتك لفترة من الزمن.
أدونيس: لأ الحب من أول نظرة بالنسبة لبيروت يقع عند معظم الناس الذين رأيتهم وعرفتهم، فكيف إذا عشت في مدينة فيها بيروت لم تعش فقط وإنما ولدت فيها ثقافياً، أنا أنظر إلى بيروت بوصفها أو حياتي فيها بوصفها ولادة ثانية..
أحمد علي الزين: ولادة شعرية.
أدونيس: يعني ولادة ثقافية عامة، يعني لي ثلاث ولادات بالمناسبة الولادة الطبيعية المشتركة بيننا جميعاً، والولادة الثانية هي ولادتي في بيروت الولادة الثقافية هي التي جعلتني أكثر قدرة على الاتصال بالعالم، ومن ثم من بعد الحرب الأهلية والغزو الإسرائيلي وتعطّل الحياة تقريباً في لبنان سافرت إلى باريس حيث أعيش الآن، وأظن أن ولادتي الثالثة والأخيرة كانت في باريس كانت ولادة كونية.
أحمد علي الزين: رح نتناول هذه المحطات محطات الولادات إذا صح القول، إذا الواحد بده يسأل تقيم جسدياً بهذه الأمكنة بس الروح أين تقيم الروح؟
أدونيس: بالعمق في لبنان.
أحمد علي الزين: طيب هل تظن أستاذ أن الأمكنة قد تضيق بالمرء عندما تتسع الرؤية أو يمكن تتسع مع الرؤيا؟
أدونيس: إذا كان السؤال يقصد علاقة الإبداع بالمكان فأعتقد أن جميع الأمكنة لا تتسع لحركة الإبداع، المكان كمثل اللغة لا يتسعان كلاهما لحركية الإبداع، ممكن لحسن الحظ مش لسوء الحظ لأنه أنا لا أستطيع أن أتصور قدرة الإنسان على الإفصاح إفصاحاً كاملاً لا بالنسبة للمكان ولا بالنسبة إلى اللغة، لأنه إذا افترضنا ذلك ممكناً فمعنى ذلك أن كل شيء ينتهي.
سأزور المكان الذي كان صيفاً لنا بعد ترحالنا.. بين شطآن يوليس في ليل دلفي وفي شمس هيدرا.. وسأمشي مثلما كنت أمشي بين أشجاره.. سأذكر أزهاره ورياحينه بأريج لقاءاتنا.. وأكيد ستسألني عنك، ما صرتي؟ أين تكونين؟ ما وجهك الآن؟ لكن ما تراني أقول والفصول محتها الفصول..
أحمد علي الزين: قد تكون من أكثر المبدعين تجوالاً في العالم أو من بينهم حتى ما نكون شوي عم نبالغ، من مدينة إلى أخرى من عاصمة إلى أخرى، يعني هل تلح عليك مسألة المقاربة بالمقدار نفسه بين تلك الأمكنة والحواضر بين وطنك ومسقط رأسك والبلاد اللي تنتمي لها، وتشعر بنوع هيك من الأسية وقت اللي بتكون بهالنوع من المقاربة؟
أدونيس: فيه نقطة في هذه المنطقة فيه شيء خصوصي لا تجده في أي مكان في العالم، العلاقة الجسدية بالمكان، والعلاقة الطبيعية الإنسانية أو أكاد أن أسميها جسدية بالأشخاص وبالبشر، يعني فيه نوع من العلاقة قائمة في لبنان وفي سوريا وفي المنطقة العربية إجمالاً..
أحمد علي الزين: هذه غير متوفرة برا إجمالاً.
أدونيس: غير متوفرة إطلاقاً في الخارج، وإذا على الصعيد الإنساني الحميمي هذا شيء فريد، إذا بدك تنتقل لمستوى آخر على صعيد العلاقة مع النظام أو العلاقة مع المؤسسة أو مع المدينة كتنظيم مدني أو كمؤسسات، أعتقد هناك فرق كبير يعني، الفرق الكبير أنه بتحس أنه بعدنا ما وصلنا لمرتبة المدينة، ونظامنا لا يزال نظاماً آخر كأنه يعيش في عالم آخر بعيد عن قيم الحداثة وقيم حقوق الإنسان وحرياته وإلى آخره، فهيدا يطرح إشكالات عديدة.
أحمد علي الزين: طيب في السياق ذاته يعني كيف بتشوف صورة هذا العالم اللي بنعيشه اليوم نحن، تحديداً عالمنا العربي والإسلامي، أنت اللي صرفت عمر مديد كداعي من أجل تحديثه؟
أدونيس: لا أحد يستطيع الحكم على المستقبل لا نعرف، وتعتقد مهما كانت أوضاع الشعوب صعبة متخلفة هالشعوب في مراحل تاريخية معينة ممكن تخرج وتوجد طرق جديدة لحياتها، لكن متى وكيف كذلك لا نستطيع أن نحكم، إنما لو أردت أن تسألني استناداً إلى اللحظة الراهنة كيف تتصور مستقبلنا؟ ضمن هالسؤال المحدد تقترب أن يعني بقدر بجيب ممكن يكون جوابي خطأ، وآمل أن يكون خطأ.. فأقول لك أنه إذا قسنا طاقات العرب إذا رأينا درسنا طاقات العرب الموضوعية والمادية والثقافية والتاريخية إلى آخره.. إذا قسنا هالطاقة الهائلة الموجودة عند العرب بما يفعلونه عملياً، فأنا لا أستطيع أن أفهم هذا إلا بالقول أننا نحن شعب ننقرض بالمعنى الحضاري للكلمة، مثل ما انقرض السومريين واليونان والفراعنة والرومان وكل هالحضارات العظيمة اللي انقرضت، أنه لم تعد لدينا الطاقة الإبداعية التي تتيح لنا أن نبني مجتمع إنساني عظيم، وتتيح لنا في الوقت نفسه أن نشارك في بناء العالم.
أحمد علي الزين: خلينا نسأل عن السر؟ يعني شو هو الداء.. سر هذه السكونية؟ سر غياب هذا العقل لا بد من سبب جوهري؟
أدونيس: أعتقد هناك أسباب عديدة ليس هناك سبب واحد، لكن لا بد من دراسات عديدة أنثروبولوجية وتاريخية وفلسفية، ومع الأسف نحن العرب لا نقوم بمثل هذه الدراسات، لأنه دائماً الشعوب ما فيها تتجدد إلا إذا قرأت تاريخها وقرأت منجزاتها، وفي ضوء هالتاريخ وهالمنجزات تحاول تستفيد منها ومن أخطائها وتستفيد من غيرها وتتقدم، لا يعقل أن لا يكون طُرح سؤال واحد طرحاً جذرياً على أي أساس من أسس ثقافتنا الموروثة لا على الدين ولا على وضع المرأة، ولا على العلاقة بين الدين والسياسة لم يُطرح أي سؤال كل هذه..
أحمد علي الزين: العلاقة بين أنا والآخر..
أدونيس: بين الأنا والآخر، وكل هذه القضايا إما أنها همشت وإما أنها كبتت وإما أنها قيل ليس الوقت وقت بحثها، وهكذا بطريقة أو بأخرى لم نفعل ما يجب أن تفعله الشعوب الحية بكل العالم، هلأ لماذا؟ هذا هو السؤال لماذا؟ أعتقد يعني بكل بساطة إن التأويل السائد للنص الديني فيه تمصله مع النظام السياسي هو الذي يحوّل ثقافتنا كلها وحياتنا إلى ثقافة قبول وانصياع وخضوع وبُعد عن التساؤلات يعني بعد عن الحرية.
قلت للأبجدية يوماً كأني أسأل تاريخنا: هل كثير على الطفل فينا أن يقوم صباحاً يضيء بعينيه شباكه؟ والكتاب الذي تتناثر فيه ممالك أحلامه.. يقرأ الشرق في ظل رمانةٍ ويوسوس للشعر كن غربها.. هل كثير على الشيخ فينا أن يجاهر كلا يئست.. وما هذه الظلمات التي تتحدر منا.. هل يحق لنا أن نحب البلاد التي ننتمي إليها؟ نحاور أشجانها ونأسى ونغضب.. ونأسى ونسأل من أين يأتيك هذا الشحوب؟ وماذا فعلت لكي يُمنع الضوء عنك؟ تراه كثيرٌ على الطفل فينا على الشيخ فينا أن ينام وأن لا تكون المخدة أنشودة؟ هل يحق لنا أن نقول: ولدنا؟
أحمد علي الزين: خلاّق لا يستكين ولا يطمئن إلى يقين، يزاول طرح الأسئلة والتنقيب عن أجوبة لها، فالشاعر الكبير لا يمكن إلا أن يكون مثقفاً كبيراً ومفكراً وسجالياً ومحللاً يتأمل دائماً في حركة التاريخ والزمان.
تراه يشير في أجوبته إلى مواضع الأعطاب، يضيء طريقاً نحوها للعلاج أو للتخفيف من الألم، فهو يعرف تماماً أن الشحوب الذي يصيب هذه الأمة وهذه المجتمعات والضمور الفكري والعجز هو نابع من موروثاتها وتأويلات تطمح إلى ترسيخ المؤسسات الرسمية التي لا دعام لها سوى الغيبيات، وما تنتجه من وسائل للاستبداد والقهر والظلم.
تُرى من يجرؤ على خلخلة هذه المفاهيم وتقويض جدران هذا السجن الفكري الهائل؟ أنت تقول في أحد الحوارات تقول أنه لا حداثة في مجتمعاتنا العربية من غير تهديم البنى السياسية للنظام السياسي المستمدة قوتها من البنية الدينية، يعني من يملك الجرأة.. يعني من يملك الجرأة على البدء بهذا التهديم إذا صح التعبير؟
أدونيس: لا أحد ضد الدين، أنا بالنسبة إلي شخصياً لست ضد الدين لأن الدين حاجة عميقة وأساسية لتنظيم علاقة الفرد بالعالم الآخر بالغيب، إذاً أنا دفعاً لكل التباس لست ضد الدين أياً كان هذا الدين، وإنما ضد تأويله خطئاً وضد استخدامه سياسياً واجتماعياً لغايات أخرى لا علاقة للدين بها، يعني حينذاك يكون فيه اعتداء على الآخرين، عدوان على الآخرين، التأويل السائد هو أنه الحقيقة في النص، بينما أي مستوى معرفي يقول لك لأ الحقيقة هي في البحث وفي العلاقة بين الفكر والواقع إلى ما لا نهاية، منشان هيك ما ممكن تكون حقيقة محصورة في اللغة، فحصر الحقيقة في النص اللغوي هذا هو باعتقادي عنصر أساسي من عناصر..
أحمد علي الزين: تغييب العقل أو يعني منعه من السؤال..
أدونيس: تغييب العقل وتغييب حرية البحث أيضاً، لأنه حتى المسلمين الأوائل ابتكروا مفهوم التأويل لكي يقولوا ليست الحقيقة في النص أو في اللغة، الحقيقة يعني النص شكل من أشكال الحقيقة، وبما أنه شكل من أشكال الحقيقة الحقيقة تتغير وتتجدد باستمرار.
أحمد علي الزين: طيب إذا كان يعني اللي بده يقوم بهالدور عملياً هو الناس المثقفين يعني المفكرين والمثقفين اللي بيهتموا بهالشأن، كيف يستطيع المثقف مواجهة رجال الدين الذين يمتلكون حرية التعبير والمنابر للتعبير أكثر بكثير مما يمتلكه المثقف يعني؟ ولهم الحق يعني في تصنيف الآخرين يعني الإفتاء في التكفير والمش عارف شو..
أدونيس: أعتقد المسألة هون سياسية، يعني كل ما يجب أن تقوم به السياسة أو النظام السياسي هنا هو أن يكون النظام حكماً لا طرفاً، يجب أن تكون الأنظمة السياسية قائمة على إعطاء الحريات لجميع أفرادها، لكن مع الأسف النظام السياسي يتحالف مع هذا التأويل الديني السائد ضد الحريات وضد الإنسان ويكون طرفاً ضد الحرية..
أحمد علي الزين: حتى الآن؟
أدونيس: حتى الآن طبعاً..
أحمد علي الزين: يعني بتقديرك الأنظمة السياسية في العالم العربي مو متضررة من وجود هذه التيارات التكفيرية الأصولية؟
أدونيس: ومع ذلك لا تعطي الحرية للأفراد الآخرين لكي يناقشوا هذه الأفكار الدينية، يعني تعطى هذه التيارات الحريات الكاملة على جميع المستويات، وتُمنع على جميع المستويات عن الآخرين، في حين أنه حتى عملياً أجدى للنظام السياسي أن يترك الناس يتحاورون في الدين والإلحاد وفي غير الدين والإيمان وفي غير ذلك من أن يكون هو.. أن يكون حكماً من أن يكون طرفاً.
أحمد علي الزين: بالسياق ذاته تقول أنه يصبح للمثقف دور ما إذا تم الاعتراف به كعضو في البحث عن الحقيقة التي هي دائماً أمامنا وليس خلفنا، مين اللي بده يعترف مين؟
أدونيس: المجتمع النظام الاجتماعي إذا ما اعتبر النظام السياسي اللي قائم عليه إذا ما اعتبر أن الثقافة جزء حي من وجوده كوجود، وليس مجرد.. الثقافة ليست وظيفة أنه المثقف موظف بشكل أو بآخر، إنما الموظف.. المثقف يجب أن يكون باحثاً حراً عن الحقيقة ويقولها بحرية كاملة، لكن ارتباط السياسي بالديني قول الحقيقة يبدو كأنه يزلزل البنية الدينية النظامية، وهكذا تُعامل حرية التفكير كأنها جرم يدوي، وهذا لم يعد موجوداً على الإطلاق إلا في البلدان المتخلفة، وطبعاً موجود عندنا في البلدان العربية.
أحمد علي الزين: يعني هالأنظمة مش قادرة تشوف.. مش قادرة تشوف بشكل عام يعني أن الخطر عم يقرع الأبواب أبوابها.. الحجرة اللي قاعدة فيها وهي أيضاً معرضة للخطر ومعرضة ربما للإزاحة؟
أدونيس: معك الحق، ولكن كل نظام يكون طرفاً بهذه الطريقة ولا يرى ما تشير إليه يبرهن على أن سلطته اغتصاب، وعلى أنه هو نفسه خارج على السلطة، لكن يعني خارج على سلطة الحرية سلطة العقل، لكن هو يمتلك هذه السلطة بالعنف وبالتحالفات مع القوى الدينية، ولا يمتلكها تلقائياً بتفويض حر من الشعب، يعني موقف الأنظمة العربية اليوم هو موقف يدينها أكثر مما يدين الآخرين.
ما الموانع التي تمنع الشعب العربي من التقدم؟
أحمد علي الزين: أيضاً تقول أستاذ أن الشعب الوحيد الذي يتخلف عن التقدم مع حركة الزمن هو الشعب العربي، وشو هي الأثقال اللي مانعة خطواته من التقدم؟
أدونيس: هذه لا يمكن تفسيرها في تقديري إلا بالعودة إلى البنية الأصيلة للفكر العربي اللي هي بنية دينية، وهالبنية الدينية ما درست ما فككت..
أحمد علي الزين: هو سؤالي التالي أنت بتقول أيضاً: يجب إعادة النظر بثقافتنا الإسلامية وإلا نحن ذاهبون إلى الكارثة، وهذا الكلام أنت قلته من حوالي عشر سنين، الآن نحن برأيك مش عايشين في قلب الكارثة؟
أدونيس: بعدين فيه كارثة مهينة لأنه أتمنى لو تكون هناك نهضة إسلامية بالمعنى الإنساني بمعنى قراءة جيدة للإسلام، بمعنى أن الإسلام عنصر مشارك حضارياً في البناء العالمي اليوم، ولكن كل النهضة الإسلامية بين هلالين اليوم هي قائمة على العنف وعلى القتل وعلى الإرهاب، يعني أنا اللا متدين أثور باسم الإسلام وتعاطفاً مع الروح الإسلامية والحضارة الإسلامية العالية ضد هالصورة التي تعطى عن الإسلام اليوم، كل الكوارث المهينة في العالم تحدث في العالم الإسلامي وباسم الإسلام.
أتفقد بيتي في الليل.. أشعل ضوء المصابيح لكنها لا تضيء.. النوافذ أبدأ فتح النوافذ لكنها لا تضيء.. لعلي في الباب ألقى ضياءً.. أقول لنفسي وأسرع للباب أرجوه لكنه لا يضيء.. الظلام هنا مثل جرح يظل على برؤه نازفاً.. يقول لي الحب يا حب من أين يأتي الضياء؟ والسماء تخون السماء.
أدونيس: ربما ينبغي كي أعود إليها إلى القرية التي جئت منها.. أن أرى كيف تخرج من سرة البحر أمواجه لتموت على صخرة أو تضم حطاماً.. ربما ينبغي أن أسائل وجه الفضاء لماذا تتغير فيه تقاطيره ولا يتغير.. أن أجهر الأساطير في أرضنا سفن تتنقل لا مرفأ ولا شاطئ.. ربما ينبغي أن أصالح بين الطيور وأعشاشها بعد أن تترحل عنها.. أن أقول الجبال مرايا لأيامنا.. أن أجر خطايا إلى موعدٍ لم يعد غير قبر.. ربما ينبغي أن أعانق من أولٍ شجر الحور والسرو والتين والياسمين.. وأن أتواطأ مع غيمة لم يزل خصرها عاشقاً كي نعد الحقول لأمطارنا.. أتراني سأقدر؟ لكن أحقاً وجدت وعشت وسافرت أم كنت حلماً؟
أحمد علي الزين: علي أحمد سعيد هذا اسمه في الهوية، وأدونيس اسم اختاره لنفسه خيار آخر وولادة أخرى في المسافات والمدن التي شهدت انبثاقات له وولادات في الرؤى وفي القصيدة.
ولد علي في قصابين قرية في الشمال السوري في شتاء ليل من عام 1930 ومن أبوين فقيرين، كان والده أحمد سعيد شوقاً بالمعرفة واللغة والشعر، وهذا كان الحجر الأساس في عمارة أدونيس لاحقاً.
نشأ بداية وسط هذه البيئة تعلم في كتّابها لحوالي عشر سنوات، ثم تابع دراسته في مدن الساحل في طرطوس واللاذقية، ثم إلى دمشق حيث نال إجازته في الفلسفة سنة 1954، ومنذ بداية الخمسينات بدأ يرسل قصائده إلى مجلة الآداب البيروتية.
وهكذا دارت عجلة أيامه وفق رغبته في تغيير مصيره كما كان يقول، ليحط فيما بعد ترحاله في بيروت على أواسط خمسينات القرن الماضي، حيث بدأ يشعل ناره وحرائقه في مسائلة الموروث فكراً وشعراً ونصاً وأنساقاً، فكان من بين أوائل الدعاة الحداثيين الذين صرفوا أعمارهم من أجل تهديم جدران السجن الكبير للخروج إلى المدينة الإنسان المدينة الحرية المدينة العدالة.
من قصابين إلى باريس حيث ولادته الكونية كما يسميها بعد بيروت التي كانت الولادة الثقافية، 77 عاماً يضيء أدونيس عند كل ليل منها قصيدة وشمعة للأيام الآتية.
أدونيس: اللي أذكره من طفولتي أنه أولاً أنا ما عرفت طفولة، يعني ولدت بالحقل بين الأشجار بالحقول، ومن طفولتي مارست مثلاً شتل التبغ حصدت القمح درست على النورج، نقلت ميّ، يعني جميع الأعمال التي يقوم بها الفلاحون عادة قمت بها وأنا طفل صغير، فما عرفت الطفولة بالمعنى الذي نتحدث عنها في الكتب، ولدت كبير بسن كبيرة أقصد، وما كان فيه مدرسة ما كان عندنا مدرسة، كان عندنا الكتاب نروح بين وقت وآخر نقعد تحت الشجرة ويعلمنا الشيخ كيف نقرأ القرآن وكيف نكتب، فأنا تعلمت تحت الشجرة، ولم أدخل المدرسة حتى سن 13، وهلأ عم حاول أسترجع وأتذكر طفولتي لأني عم أكتب مذكراتي عم أكتب سيرة بحياتي، مثل كأنه شيخوختي ليست حركة في اتجاه الموت مثل كل الناس يعني وإنما هي بالأحرى حركة في اتجاه الطفولة.
أحمد علي الزين: استعادة الطفولة.
أدونيس: استعادة الطفولة.
أحمد علي الزين: وأنت تقول لتكن هذه الشيخوخة طفولتك التي افتقدتها، سعيت لتغيير مصيرك؟
أدونيس: تماماً، وعشت الحلم بالتغير وأعتقد حققته أو أنجزته إلى حد كبير بحياتي كلها وبتفكيري كله وحتى بتنقلاتي اليومية، يعني أنا رجل صرت مثل كأني مسافر لا مسافر في المكان وحده، وإنما مسافر في الزمن أيضاً ومسافر في نفسي داخل نفسي، هذا خلق لي شعور شوي معقد، خلق لي شعور إنه أنا أعيش في منفى متحرك، وهالمنفى المتحرك في المكان وفي الزمان خلق تطابق مع منفاي اللغوي، فأنا أشعر أني منفي لغوياً داخل اللغة اللي عم أكتب فيها، وعم بحاول أوجد نفسي عبرها، كلما أوغلت في هذه اللغة حتى أوجد نفسي أشعر كأني أبتعد عن نفسي.
أدونيس: الكتابة هي وسيلة لمزيد من التساؤلات
أحمد علي الزين: بهذا المعنى أستاذ الكتابة تبدو كحل أو كشيء من الحل في البداية ولكن بهالمعنى صارت بالنسبة لك مأزق يعني؟
أدونيس: بالعكس، بالنسبة لي الكتابة هي وسيلة عملياً وسيلة لمزيد من التساؤلات ولمزيد من الضياع ولمزيد من المنفى بالشعور بالمنفى خارجاً وداخلاً، مثل كأن الكتابة تكملني، يعني شخص ثاني داخل شخصي لا يعبر عني بقدر ما يكملني.
قلت أسهر حتى الصباح لأكتب لكن ما أقول.. انكببت أخط وأمحو وأبدأ لا شيء.. كيف تغيرت؟ أن وكيف توارى كل ما كان عندي؟ نمت كلا.. رمى النوم أثقاله فوق رأسي.. في الصباح شعرت كأني شطرت وأصبحت غيري.. شخصاً بعيداً يسير إلى ذاته البعيدة كاتباً هذه القصيدة..
أحمد علي الزين: تتحدث عن الحنين في مكان ما، تقول الحنين يضمر نوع ما من الكفاح ضد الموت.. يضمر نوعاً من الكفاح ضد الموت، أنت تخاف..
أدونيس: لأن الحنين باللغة العربية هو إلى ما اختبرته فمضى، وما اختبرته ومضى يندرج في عالم الطفولة، وإذن تذكره أو الحنين إليه هو نوع من كأنك تدير وجهك إلى الطفولة، فيما تدير وجهك ظهرك إلى الشيخوخة والموت، وهاد بهالمعنى الحنين مهم، لكن بشرط ألا يكون حنيناً استسلامياً، يعني أن يكون الحنين دافع إلى مزيد من الهجوم وإلى المزيد من التقدم، لكن إجمالاً عنا الحنين استسلامي من شان هيك يولد الحزن، والحزن قد يتحول إلى خيبة ويتحول إلى إحباط، أما بالنسبة لي لم يكن ولا مرة..
أحمد علي الزين: هو حفزك يدفعك..
أدونيس: حافز لمزيد من التقدم في مواجهة الموت.
أحمد علي الزين: يعني دائماً أنت تسعى إلى تغيير مصيرك حتى الآن؟
أدونيس: باستمرار..
أحمد علي الزين: يعني هيك بس تطلّع أنت أكيد منتبه تماماً إنه مصير أدونس الطفل اللي كان في قصابين تغير، أصبح أدونيس العربي والعالمي في أكثر من مكان وزمان، بتلتفت هيك إلى الخلف بتلاقي مصير الآخرين مصير الأوطان لم يتغير، ألا يحزنك هذا الشيء؟
أدونيس: يعني يحزنني كثيراً ويمزقني بالمعنى الثقافي، لأنه بالتحليل الأخير لكي يكون الفرد عظيم يجب أن يكون شعبه أيضاً عظيم، وأكثر من هيك أنا بدي أقول لك من الصعب كتابة شعر عظيم إلا بثقافة عظيمة، وأنا كثير بدي أعطيك أديش مهم النظام بالنسبة.. النظام وما يفعله بالنسبة لأفراده وبالنسبة لنفسه هو أيضاً، لكن على مستوى الأحلام العظيمة والإبداعات الكبيرة، وعلى المستوى الثقافي الخلاق مع الأسف الأنظمة العربية لا تفعل شيئاً، هناك الآن توجهات نحو إعطاء جوائز وهذا شيء جيد، لكن حتى هذه التوجهات فيما يتعلق بإعطاء جوائز ورصد أموال للعمل الثقافي، كل نوع من جعل الثقافة أكثر ارتباطاً بالوظيفية بدلاً من تحرير الثقافة من الوظيفية، يأتي هذا المال ليجعلها أكثر ارتباطاً بالوظيفية، وآمل ألا تتحول هذه العناية اللي بدأت اليوم إلى هذا النوع من القتل للثقافة، إلى نوع من ترويضها وربطها أكثر فأكثر بالآلة السياسية القائمة.
أحمد علي الزين: تشعر بغربة كبيرة بينك وبين المجتمع اللي تنتمي له؟
أدونيس: هلأ يعني أشعر بغربة من جهة وأشعر باندماج وذوبان فيه أيضاً في الآن نفسه، لأنه مثلاً إذا سألتك..
أحمد علي الزين: لأنك تقول أنت مثلاً الأفكار الكبيرة مستحيل تمر بعقول صغيرة، يعني وإذا مر يعني بتصغر..
أدونيس: طبعاً أي نص عظيم.. يعني القرآن بعقل محمد عبده شيء وبعقل القرضاوي شيء، وبعقل أبو مصعب شيء آخر نص واحد يؤمنوا فيه الجميع، بس له مستوى بهالعقول مختلفة، وبهالمعنى النص يعظم ويكبر بقدر ما بيكون العقل اللي يتناوله عظيم وكبير.
بعد هذا التشرد ملئ المدائن.. بعد السنين التي أرهقت كاهلي.. أغني لنا لطفولاتنا.. لا أصدق أني شيّخت.. أمشي غريباً لا عزاء ولا أتشكى لحبي وموتي فلك واحد.. وأغوي من يجيئون بعدي أن يضيئوا بنور الجسد ظلمات الأمد..
أحمد علي الزين: حين تجالسه يذهب بك في شعاب المعرفة والتاريخ والشعر، ليس من حرج أن تطرق أي باب شئت، فباب الحب رحب يفضي إلى حكايات وحدائق، وباب الشعر عالٍ خلفه ألف قصيدة، وباب الفكر يفتح دائماً على الحرية، لكأن مسار حياته أبواب تفضي إلى أبواب يفتحها على الضوء، وكلما تعثر أمام جدار ما يفتح في قلبه كوة، وكلما علا جدار السجن كما يقول تصبح الخطيئة مقدسة.
القصابين وشقاء الطفولة في مدن الساحل في القرية، ثم دمشق حيث هب هوى العشق مع خالده رفيقة العمر صديقة وحبيبة وزوجة ومبدعة قرأته بهوى الفكر، ثم بيروت بيروت مجلة شعر مع يوسف الخال سنة 1957 كانت مجلة شعر حجر الزاوية في بناء القصيدة الحديثة، ثم مواقف مجلة أخرى أو منبر آخر لموقفه من الثورة من الحياة من الوجود ومن التراث، حيث يقول في افتتاحية العدد الثالث عام 1969 "الثوري العربي يحاصره عدوان خارجي مستعمر ومتطور، وداخلي متخلف وطاغية". لكأنه في كل مرة صاغ افتتاحية أو مقالاً أو دراسة أو معالجة للموروث أو للمعاصر، كان يضمّن كلامه بياناً من نوع آخر بياناً من أجل الحداثة بمفهومها الشامل وليس المقتصر على الشعر فقط، نتابع مع أدونيس نحو منابع تأثراته من بيته العتيق في قصابين إلى بيته الباريسي.
رحلة أدونيس من بيته العتيق في القصابين إلى بيته الباريسي
إذا بدنا نحكي عن التأثرات الأولى أنت تقول أنه يمكن الوالد أو أكيد مش يمكن الوالد هو كان يقرأ وكان شاعر، التكوينات الأولى انطلقت من المنزل؟
أدونيس: من المنزل، يعني أنا عرفت الشعر العربي على يد أبي أساساً، واطلّعت على الكتب الدينية وكتب التصوف أيضاً بالبيت بواسطته، وهو اللي يعني فتح لي عالم الشعر، لكن أنا بالأخير اكتشفت مع الوقت أنه لم يكن أباً بالمعنى التقليدي وإنما كان صديقاً، ولذلك اختلفت معه كثيراً، واتجاهي الشعري كان مختلفاً عن اتجاهه، واتجاهي الفكري أيضاً كان مختلفاً عن اتجاهه، وأتذكر الآن أنه مع كل هذا لم يقل لي مرة واحدة افعل هذا لا تفعل هذا، سطوة الأبوة كان يقول لي يمكنك أن تأخذ قراراً في أي لحظة ومتى شئت، ليس أسهل من اتخاذ القرار، كل وصيتي لك هو أن لا تتخذ قراراً إلا بعد التأمل والدرس والصبر، ادرس وتأمل ثم خذ قرارك.
أحمد علي الزين: افتقدته بكير أنت، هو توفى بحادث سيارة؟
أدونيس: فقدته بكير ولم أكن أعرفه جيداً، لأنه في أثناء حياته كنت أبحث عن طريق أخرى غير الطريق اللي نشأت فيها بين يديه.

أحمد علي الزين: وصرت أب مكانه أنت إلى حد ما في موقع المسؤولية عن العائلة الأم الإخوة؟ الوالدة قلت لي لم تزل يعني شابة 104 سنوات يخزي العين..

إرسال تعليق

 
لا يتحمل الموقع تحت أي ظرف مسؤولية المساهمات التي تتضمن خرقا لحقوق الملكية الأدبية أو حقوق النشر، و يحق لكل متضرر رفع الضرر عن طريق مراسلة مدير الموقع
copyright © 2013 الزمن المغربي
مجلة الزمان المغربي مستقلة تجدد كل يوم