للثقافة أخبار

شعرـ قصص

إعلانات - إعلانات

جديد دورالنشر

الأربعاء، 25 أكتوبر 2017

تجديد الخطاب الديني.. لماذا؟ أحمد عبد المعطى حجازى

 الأهرام اليومي  : حين أنظر فى الأفعال وردود الأفعال التى نقابل بها الدعوة لتجديد الخطاب الدينى أسأل نفسي: هل نحن جادون حقا فى هذه الدعوة؟ أم أننا نرفع بها
أصواتنا لنغطى بها أفعالنا؟
لكن هناك سؤالا يجب أن نبدأ منه ونجيب عليه وهو: هل نحن على يقين من إدراكنا للأسباب التى تدعونا لتجديد الخطاب الدينى وتجعل هذا التجديد مطلبا حيويا وشرطا جوهريا للخروج من أزماتنا الخانقة التى تحاصرنا فى كافة مجالات حياتنا التى انقلبت أوضاعها خلال العقود الستة الماضية رأسا على عقب، ومازلنا فى هذه الأزمات نتدافع فيها بالمناكب لاهثين يطلب كل منا النجاة بنفسة ولانتوقف لنرى ماحدث لنا ونعرف أسباب هذا الذى حدث ونتائجه ونراجع مواقفنا ونحدد مسئوليتنا المشتركة ونتعلم من أخطائنا؟
قبل هذه العقود الستة كنا مصريين ننتمى لمصر ونعتز بماضيها القديم ونهضتها الحديثة. لكن شعورنا بالانتماء اهتز خلال العقود الأخيرة واختلط فلم نعد نعرف لأى أصل ننتمي: لمصر؟ أم للعرب؟ أم للإسلام؟ نعرف بالطبع أن مصر هى بلادنا، وأن اللغة العربية لغتنا، وأن الاسلام ديننا. لكننا لم نعد نميز بين هذه الانتماءات الثلاثة، وإنما خلطنا بينها وأحللنا بعضها محل بعض فصرنا فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى عربا، لا بالمعنى الثقافى الذى تكون فيه العروبة رابطة تجمع بين الشعوب التى تتكلم العربية، وتفكر بها وتستطيع أن تحقق مجتمعة ما لا تستطيع أن تحققه منفردة، بل كنا نتحدث عن العروبة بمعنى شوفينى عرقى فرض علينا أن نسقط اسم مصر من اسم الدولة التى اتحدنا فيها مع السوريين، وأصبحنا فيها مجرد إقليم جنوبى لاشخصية له ولا تاريخ.
هذه الوحدة فشلت بالطبع، لا لأن الوحدة العربية ليست ممكنة، بل لأننا ظننا أن الوحدة لاتتحقق الا بين متماثلين. والواقع أن مصر بلد وسوريا بلد آخر مختلف. لكن هذا الاختلاف لايمنعهما، ولايمنع غيرهما من الاتحاد بشرط أن نعترف به ونحسب حسابه ونمكنه من التعبير عن نفسه فى الدولة التى ننشئها وفى النظام الذى نبنيه. وهذا ما لم يتحقق فى ظل السلطة المطلقة التى انفرد بها رئيس الدولة، ولهذا وقع الانفصال. ولهذا أيضا دخلنا فى اليمن حربا طويلة استنفدت طاقاتنا دون أن نحسب حسابها. ولهذا هزمنا فى يونيو لنتابع بعد ذلك الأحداث والتطورات التى تراجعت فيها شعارات العروبة وحلت محلها شعارات الإسلام السياسى التى التفت حولها جماعات وجدت فيها مايخفف من وقع الهزيمة عليها ويبرر لها خروجها بالسلاح على النظام الحاكم الذى أصبح مخيرا بين السماح لهذه الجماعات بالنشاط العلني، أو الدخول معها فى معركة يمكن أن يخسرها، خاصة وقد أصبح معزولا منهكا على حين كانت هى واثقة من نفسها مزودة بالمال والخبرة تخاطب العوام بلغتهم وتلعب بعواطفهم الدينية. ثم إنها كانت وحدها تملأ الفراغ الناتج عن حل الأحزاب، وتحريم النشاط السياسي، وهزيمة المشروع الناصري. كل هذا كان يصب فى صالح جماعات الاسلام السياسى وهى تساوم النظام وتخيره بين السماح لها بالنشاط، أو إعلان الحرب. وقد وجد النظام نفسه مع الخيار الأول الذى لم يغض فيه الطرف عن نشاط هذه الجماعات فحسب بل أخد يسابقها فى الخلط بين الدين والدولة وبين الدين وأى شئ آخر، وهو تراث عشنا فيه واكتوينا بناره طوال تاريخنا.
ملوكنا الفراعنة كانوا آلهة وأبناء آلهة. وأباطرة بيزنطة الذين حكمونا فى العصر المسيحى كانوا ظلالا لله على أرضنا. وقد حل محلهم فى العصور الاسلامية أمراء المؤمنين الذين لم نتحرر من طغيانهم إلا بعد نشوب الحرب العالمية الأولي. وإذا كان الملك فؤاد قد فشل فى أن يرث الخلافة بعد سقوطها فى تركيا فقد تحالف نظام يوليو فى مرحلته الساداتية والمرحلة التى تلتها مع الاخوان ومع غيرهم من جماعات الاسلام السياسى وأخذ يسابقها فى الخلط بين الدين والدولة. وكما أصبح الطرفان يتسابقان فى تديين الحياة المصرية أصبحا يقتسمان الأرباح الناتجة عن هذه السياسة. الإخوان والسلفيون وغيرهم يسيطرون على المساجد والمدارس والجامعات والنقابات ويرشحون أنفسهم فى الانتخابات وينجحون ويسوقون خصومهم للمحاكم بقانون الحسبة، والنظام يحصل فى المقابل على تأييدهم ويسمح لهم بتعديل المادة الثانية فى الدستور لتصبح الشريعة الاسلامية، المصدر الرئيسى للقوانين، وهم يسمحون له فى المقابل بتعديل المادة الخاصة بالمدد التى يقضيها الرئيس المؤمن فى منصبه فتصبح بلا عدد بعد أن كانت مدتين.
هذه الانقلابات، وهذه السياسات غير المحسوبة وغير المسئولة أفقدتنا الكثير مما حققناه فى نهضتنا الحديثة. وعينا بأنفسنا، وإيماننا بالديمقراطية، ووحدتنا الوطنية، وثقافتنا الحديثة.. والمسئول عن ذلك نظام يوليو من ناحية، وجماعات الاسلام السياسى من ناحية أخري. الدكتاتورية، وخلط الدين بالدولة. وهما دائما حليفان حتى ولو اختلفا. فالدكتاتور يستخدم الدين ويستند إليه فى تبرير انفراده واستبداده. وجماعات الإسلام السياسى تستخدم الدولة وتسعى للاستيلاء على السلطة، ومن هنا حاجتنا الملحة لتجديد الخطاب الديني، لأن الخطاب الدينى الموروث منحاز للطغاة الذين يجمعون بين السلطتين. وفى هذا يقول أبو الحسن الماوردى فى كتابه «الأحكام السلطانية والولايات الدينية» إن الإمامة موضوعة لخلافة النبوة فى حراسة الدين وسياسة الدنيا» ويقول إن الإمامة «هى الأصل الذى استقرت عليه قواعد الملة وانتظمت به مصالح الأمة حتى استتبت بها الأمور العامة، وصدرت عنها الولايات الخاصة فلزم تقديم حكمها على كل حكم سلطاني». أما الفارابى فيرى فى مدينته الفاضلة أن حاكم المدينة نسبته إلى سائر أجزائها كنسبة السبب الأول (الله) إلى سائر الموجودات! ومعنى هذا أن الحاكم يمثل الله فى الأرض وأن وجوده سابق على وجود المحكومين؟ من هنا كان أمير المؤمنين هو مصدر السلطات، وكانت «السعادة العامة هى فى تبجيل الملوك وتعظيمها» وطاعتها كما يقول ابن أبى الربيع فى كتابه «سلوك المالك فى تدبير الممالك»!.
هل عرفنا الآن لماذا نطالب بتجديد الخطاب الديني؟ وهل عرفنا الأسباب التى تمنع تجديده؟!

لمزيد من مقالات أحمد عبد المعطى حجازى

إرسال تعليق

 
لا يتحمل الموقع تحت أي ظرف مسؤولية المساهمات التي تتضمن خرقا لحقوق الملكية الأدبية أو حقوق النشر، و يحق لكل متضرر رفع الضرر عن طريق مراسلة مدير الموقع
copyright © 2013 الزمن المغربي
مجلة الزمان المغربي مستقلة تجدد كل يوم