موليم العروسي أديب وناقد فني مغربي، حاصل على الدكتوراه في الجماليات من جامعة السوربون، ودكتوراه في الأدب الفرنسي والفلسفة من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء. يعتبر من أبرز الأسماء الثقافية لجيل السبعينيات. حيث قدم الكثير للدرس الفني والجمالي العربي، ذلك من خلال أفكار ومفاهيم تنحو نحو بُعد فلسفي ما بعد حداثي،
يتجلى في العديد من أعماله النقدية والإبداعية. وفي الحوار التالي يتحدث العروسي عما يشغل العالم الآن .. جائحة كورونا.
■ هل أزمة كأزمة كورونا قادرة على أن تجعل الإنسان واعيا بضرورة انبثاق عالم جديد؟
□ في أيّ إنسان يتعلّق الأمر؟ هل بالإنسان الحديث الذي كان يعتقد إلى حدود اليوم الذي سبق وصول الكارثة، أنّه كان قادرا على القضاء على أي وباء، وأن زمن الأوبئة قد ولّى، وأنّنا بالأحرى نحلم بمنح الكائن الإنساني جسدا أبديا، أو بالإنسان الذي نحلم به، ذاك الذي نبتغيه على الأرض مع كل القيم التي لم تتوقف عن بلورتها الديانات والفلسفات والقوانين كل يوم؟ كنا نبحث وما زلنا نبحث دائما عن الانتصار على الموت. إن أسطورة الذكاء الاصطناعي، التي اعتقدنا أننا سنقضي بها على كل الأمراض، هي نفسها التي لم نعد نسمعها في النقاشات اليوم، على الرغم من أنها كانت تبشرنا كل يوم بأننا سوف نصبح خالدين. وأننا سوف نقضي على الموت نهائيا. لن يقتل فيروس كورونا أكثر مما قتلته الحروب، التي تستمر في قتله، لقد وعت الإنسانية ميلها العميق كأكلة لحوم البشر بعد الحرب العالمية الأولى، وهو الشيء الذي لم يمنعها من إعادة نشر الكارثة عشرين عاما، بعد توقف الحرب الكونية الثانية، التي يحاولون اليوم جعلنا نعتقد أنها الأكثر فتكا في كل تاريخ الإنسانية. لقد جربت الإنسانية بالتأكيد القنبلة الذرية، كان الأمر مرعبا ولكن ذلك لم يمنعها من تفجير حرب أخرى مرعبة في الهند- الصينية، ثم بعد ذلك تم التركيز على الشرق الأوسط، ومازال الأمر كذلك. ويعود الإنسان للازمة نفسها بعد كل حرب، والقول إننا نحلم بعالم جديد.
■ لقد حضرنا مجزرة بين الإثنيات في افريقيا، مئات الآلاف من الأرواح الإنسانية مُحِيت من الحياة متى يعي ذلك الإنسان؟
□ هناك عنصر جديد في هذه الكارثة الجديدة: إنّه فيروس لامرئي، لا يمكننا أن ننفلت منه ونحن محتجزون في مدرّعة، أو بعيدا جدا، محميون في (مخبأ) قبو ونحن نتحكم في الأزرار ونرسل الطائرات بدون طيار! لهذا الفيروس طريقة تتميز بالتعادلية، لا تستثني رئيس دولة، ولا أميرا، ولا فقيرا. كلنا متساوون أمام هذا العدو اللامرئي، إنه ينتقل بفضل عولمة وسائل النقل، وترابط التجارة الدولية، هناك عدّة بلدان، استخفت بهذا الوباء، بل أكثر من ذلك فقد اعتقدت أنها ستجني منه الفوائد، وهي اليوم الأكثر تضررا. لعل البشر يعون، اليوم أكثر من ذي قبل، أن التضامن مفروض عليهم وأن لا مناص منه.
■ هل يعتبر الإنسان فاقدا للذاكرة دوما؟
□ الإنسان في جميع الحالات لا يمكن أن يكون فاقدا للذاكرة، لا شيء يتمّ نسيانه، كل شيء يُخَزَّنُ في اللاوعي، لا على المستوى الفردي وحسب، بل على المستوى الجماعي أيضا، يتم نقل ذلك من جيل إلى جيل في اللغة، الأساطير، الفكاهة، الأدب، الموسيقى… كلّها تنقل لنا موروثنا المعجون من الأفراح والأتراح. لا أحد فينا عاش الطوفان، ومع ذلك وبدون حتى قراءة النصوص عن هذه الظاهرة الطبيعية، كل منا يتخيله كما لو عاشه، لكن يجب معرفة أن الإنسان، كلما أدرك أنّه لا يمكن أن يعيش دون الآخرين، كان له هذا الميل العميق للرّغبة في الهيمنة عليهم. إنّ النزوع إلى الهيمنة تترجمه إرادة الامتلاك، إنه يريد تملّك الجماعة التي ينتمي إليها، كما الأملاك التي ليست في حوزته ولا تربطه بها صلة. بهذا المعنى فهو يميل إلى أن ينسى ذلك، بمجرد أن تمرّ الكوارث وتستعيد الحياة دورتها. وتلاحظون ذلك في الحياة اليومية المغربية، وربما عند شعوب أخرى في اعتقادي، عند مرور موكب جنائزي، كل العالم يصبح لطيفا ويتذكر فجأة وضعيته كميت (فَانٍ)، ولكن ذلك لا يدوم إلا زمن عبور سيارة نقل الموتى، وبعد ذلك تستأنف الحياة دورتها بكل حنانها، أفراحها وكذلك أيضا بمقالبها، وخداعها، ونفاقها.
■ ما الذي يميز هذه الأزمة عن سابقاتها؟
□ عند استقراء تاريخ الأوبئة المتنقلة نلاحظ أن الطرق التجارية الكبرى كانت دائما مصدر قدوم هذه الأوبئة. طريق الحرير، وطرق القوافل بين المغرب وافريقيا، ومن ثمة الطريق إلى أوروبا، وطرق الشرق الأوسط المتجهة نحو المغرب العربي. لكن المختلف عن اليوم، هو أن ذلك كان يأخذ وقتا طويلا، وكان يمكن أن يبطل مفعول الوباء خلال الطريق الطويل. وفي غياب إخبار عن حرّية التعبير، كما في غياب القانون، كان يمكن التخلّص من المرضى بطريقة لاإنسانية: كأن يوضع بعضهم في الحجر، بدون إرادتهم وهو شيء مستحيل اليوم حتى في ظل الأنظمة الأكثر سلطوية. أمّا اليوم فبإمكان الأوبئة أن تتنقّل بسرعة، وتستقر سريعا وتختلط بالشعب. نظرا للانفجار الديموغرافي الهــــائل، زيادة عن الإجراءات التي يصعب اتخــــاذها، إذ في البلدان الديمقــراطية تجب استشارة المجتمع (الشعب)، كما يجب تدبير الحريات…
■ هل تعتقد أنه يوجد ما قبل وما بعد كورونا كوفيد 19؟
□ نعم ألا يمكن أن تكون هذه اللحظة الفريدة، حيث جزء كبير من البشرية تم حجزه، ووجد نفسه في الظروف نفسها؟ لا حل غير تلك الطريقة التي أوصى بها أسلافنا سابقا، إما الحجر الصحّي أو العزل. ليست هناك دول متطورة وأخرى لا، كل المعلومات المتراكمة لحدّ اليوم لا تصلح لشيء في الوقت الحاضر. هي طريقة لإعادة الناس إلى أصلهم مصدرهم: كلنا من الطبيعة، ومعها وحدها يجب أن نتفاوض اليوم. إنّ الرئيس المفترض للقوة الدولية الأولى هو في مستوى رؤساء كل دول العالم على الأرض، لقد فهم، من جهة أخرى، حتى لو كان متأخرا، أنّ عليه أن يتوقف عن إعطاء الدروس، وتبني مواقف أقل عدوانية وطلب المساعدة. أن تقول القوة الدولية الأولى بأنها في حاجة لمجهودات العالم كلّه للانتصار على هذا الوباء، إن ذلك يعتبر فعلا أن ما بعد كورونا قد انطلق، إنّه لأمر هائل، آمل أن تكون المساواة في الحظوظ التي فرضها هذا الفيروس تصلح كدرس عندنا لتتمكن السيرورة الديمقراطية من الانطلاق على أساس قواعد جديدة.
□ في أيّ إنسان يتعلّق الأمر؟ هل بالإنسان الحديث الذي كان يعتقد إلى حدود اليوم الذي سبق وصول الكارثة، أنّه كان قادرا على القضاء على أي وباء، وأن زمن الأوبئة قد ولّى، وأنّنا بالأحرى نحلم بمنح الكائن الإنساني جسدا أبديا، أو بالإنسان الذي نحلم به، ذاك الذي نبتغيه على الأرض مع كل القيم التي لم تتوقف عن بلورتها الديانات والفلسفات والقوانين كل يوم؟ كنا نبحث وما زلنا نبحث دائما عن الانتصار على الموت. إن أسطورة الذكاء الاصطناعي، التي اعتقدنا أننا سنقضي بها على كل الأمراض، هي نفسها التي لم نعد نسمعها في النقاشات اليوم، على الرغم من أنها كانت تبشرنا كل يوم بأننا سوف نصبح خالدين. وأننا سوف نقضي على الموت نهائيا. لن يقتل فيروس كورونا أكثر مما قتلته الحروب، التي تستمر في قتله، لقد وعت الإنسانية ميلها العميق كأكلة لحوم البشر بعد الحرب العالمية الأولى، وهو الشيء الذي لم يمنعها من إعادة نشر الكارثة عشرين عاما، بعد توقف الحرب الكونية الثانية، التي يحاولون اليوم جعلنا نعتقد أنها الأكثر فتكا في كل تاريخ الإنسانية. لقد جربت الإنسانية بالتأكيد القنبلة الذرية، كان الأمر مرعبا ولكن ذلك لم يمنعها من تفجير حرب أخرى مرعبة في الهند- الصينية، ثم بعد ذلك تم التركيز على الشرق الأوسط، ومازال الأمر كذلك. ويعود الإنسان للازمة نفسها بعد كل حرب، والقول إننا نحلم بعالم جديد.
■ لقد حضرنا مجزرة بين الإثنيات في افريقيا، مئات الآلاف من الأرواح الإنسانية مُحِيت من الحياة متى يعي ذلك الإنسان؟
□ هناك عنصر جديد في هذه الكارثة الجديدة: إنّه فيروس لامرئي، لا يمكننا أن ننفلت منه ونحن محتجزون في مدرّعة، أو بعيدا جدا، محميون في (مخبأ) قبو ونحن نتحكم في الأزرار ونرسل الطائرات بدون طيار! لهذا الفيروس طريقة تتميز بالتعادلية، لا تستثني رئيس دولة، ولا أميرا، ولا فقيرا. كلنا متساوون أمام هذا العدو اللامرئي، إنه ينتقل بفضل عولمة وسائل النقل، وترابط التجارة الدولية، هناك عدّة بلدان، استخفت بهذا الوباء، بل أكثر من ذلك فقد اعتقدت أنها ستجني منه الفوائد، وهي اليوم الأكثر تضررا. لعل البشر يعون، اليوم أكثر من ذي قبل، أن التضامن مفروض عليهم وأن لا مناص منه.
■ هل يعتبر الإنسان فاقدا للذاكرة دوما؟
□ الإنسان في جميع الحالات لا يمكن أن يكون فاقدا للذاكرة، لا شيء يتمّ نسيانه، كل شيء يُخَزَّنُ في اللاوعي، لا على المستوى الفردي وحسب، بل على المستوى الجماعي أيضا، يتم نقل ذلك من جيل إلى جيل في اللغة، الأساطير، الفكاهة، الأدب، الموسيقى… كلّها تنقل لنا موروثنا المعجون من الأفراح والأتراح. لا أحد فينا عاش الطوفان، ومع ذلك وبدون حتى قراءة النصوص عن هذه الظاهرة الطبيعية، كل منا يتخيله كما لو عاشه، لكن يجب معرفة أن الإنسان، كلما أدرك أنّه لا يمكن أن يعيش دون الآخرين، كان له هذا الميل العميق للرّغبة في الهيمنة عليهم. إنّ النزوع إلى الهيمنة تترجمه إرادة الامتلاك، إنه يريد تملّك الجماعة التي ينتمي إليها، كما الأملاك التي ليست في حوزته ولا تربطه بها صلة. بهذا المعنى فهو يميل إلى أن ينسى ذلك، بمجرد أن تمرّ الكوارث وتستعيد الحياة دورتها. وتلاحظون ذلك في الحياة اليومية المغربية، وربما عند شعوب أخرى في اعتقادي، عند مرور موكب جنائزي، كل العالم يصبح لطيفا ويتذكر فجأة وضعيته كميت (فَانٍ)، ولكن ذلك لا يدوم إلا زمن عبور سيارة نقل الموتى، وبعد ذلك تستأنف الحياة دورتها بكل حنانها، أفراحها وكذلك أيضا بمقالبها، وخداعها، ونفاقها.
■ ما الذي يميز هذه الأزمة عن سابقاتها؟
□ عند استقراء تاريخ الأوبئة المتنقلة نلاحظ أن الطرق التجارية الكبرى كانت دائما مصدر قدوم هذه الأوبئة. طريق الحرير، وطرق القوافل بين المغرب وافريقيا، ومن ثمة الطريق إلى أوروبا، وطرق الشرق الأوسط المتجهة نحو المغرب العربي. لكن المختلف عن اليوم، هو أن ذلك كان يأخذ وقتا طويلا، وكان يمكن أن يبطل مفعول الوباء خلال الطريق الطويل. وفي غياب إخبار عن حرّية التعبير، كما في غياب القانون، كان يمكن التخلّص من المرضى بطريقة لاإنسانية: كأن يوضع بعضهم في الحجر، بدون إرادتهم وهو شيء مستحيل اليوم حتى في ظل الأنظمة الأكثر سلطوية. أمّا اليوم فبإمكان الأوبئة أن تتنقّل بسرعة، وتستقر سريعا وتختلط بالشعب. نظرا للانفجار الديموغرافي الهــــائل، زيادة عن الإجراءات التي يصعب اتخــــاذها، إذ في البلدان الديمقــراطية تجب استشارة المجتمع (الشعب)، كما يجب تدبير الحريات…
■ هل تعتقد أنه يوجد ما قبل وما بعد كورونا كوفيد 19؟
□ نعم ألا يمكن أن تكون هذه اللحظة الفريدة، حيث جزء كبير من البشرية تم حجزه، ووجد نفسه في الظروف نفسها؟ لا حل غير تلك الطريقة التي أوصى بها أسلافنا سابقا، إما الحجر الصحّي أو العزل. ليست هناك دول متطورة وأخرى لا، كل المعلومات المتراكمة لحدّ اليوم لا تصلح لشيء في الوقت الحاضر. هي طريقة لإعادة الناس إلى أصلهم مصدرهم: كلنا من الطبيعة، ومعها وحدها يجب أن نتفاوض اليوم. إنّ الرئيس المفترض للقوة الدولية الأولى هو في مستوى رؤساء كل دول العالم على الأرض، لقد فهم، من جهة أخرى، حتى لو كان متأخرا، أنّ عليه أن يتوقف عن إعطاء الدروس، وتبني مواقف أقل عدوانية وطلب المساعدة. أن تقول القوة الدولية الأولى بأنها في حاجة لمجهودات العالم كلّه للانتصار على هذا الوباء، إن ذلك يعتبر فعلا أن ما بعد كورونا قد انطلق، إنّه لأمر هائل، آمل أن تكون المساواة في الحظوظ التي فرضها هذا الفيروس تصلح كدرس عندنا لتتمكن السيرورة الديمقراطية من الانطلاق على أساس قواعد جديدة.
المصدر:
file:///C:/Users/Said/Downloads/telecharger-bab.pdf
http://www.babmagazine.ma/telecharger-bab
مجلة باب تصدرها الوكالة المغربية للصحافة.. عدد أبريل 2020
file:///C:/Users/Said/Downloads/telecharger-bab.pdf
http://www.babmagazine.ma/telecharger-bab
مجلة باب تصدرها الوكالة المغربية للصحافة.. عدد أبريل 2020
إرسال تعليق